عبيد الطوياوي
06-02-2016, 09:00 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اَلْإِبَاْنَةُ لِخَطَرِ اَلْخِيَاْنَة
https://www.youtube.com/watch?v=-QpSBuc4s7Q
} الْحَمْدُ لِلَّهِ ، الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ ، وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا { ، أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ ، } لَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا ، مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ، وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ، فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا { ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدُهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ ، } خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ، الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا { ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، أَرْسَلَهُ بِاَلْحَقِّ } شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا { ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَاَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
أُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِيْ ، بِوَصِيَّةِ اَللهِ لَكُمْ ، وَلِمَنْ كَاْنَ قَبْلَكُمْ ، تَقْوَىْ اَللهِ U : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فَــ : } اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { جَعَلَنِيْ اَللهُ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُتَّقِيْن .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
خِيَاْنَةُ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَوَطَنِهِمْ اَلَّذِيْ يُحْكَمُ بِاَلْدِّيْنِ ، وَوَلِيِ أَمْرِهِمْ اَلْمُقِيْمِ لِشَرْعِ رَبِّ اَلْعَاْلَمِيْنَ ، مِنَ اَلْأَخْلَاْقِ اَلْمَذْمُوْمَةِ شَرْعَاً وَعَقْلَاً ، وَمِنَ اَلْصِّفَاْتِ اَلْسَّيِّئَةِ اَلْمَمْقُوْتَةِ عُرْفَاً وَطَبْعَاً ، وَهِيَ صِفَةٌ لَاْ يَتَّصِفُ بِهَاْ إِلَّاْ ضِعَاْفُ اَلْإِيْمَاْنِ ، وَلَاْ يَتَجَرَّأُ عَلَيْهَاْ إِلَّاْ خُبَثَاْءُ اَلْنُّفُوْسِ ، وَهِيَ مِنَ اَلْجَرَاْئِمِ اَلَّتِيْ حَذَّرَ اَلْإِسْلَاْمُ مِنْهَاْ ، وَنَفَّرَ بِنُصُوْصِهِ عَنْهَاْ ، لِخَطَرِهَاْ وَشِدَّةِ أَثَرِهَاْ وَعَظِيْمِ ضَرَرِهَاْ ، وَسُوْءِ عَوَاْقِبِهَاْ عَلَىْ اَلْأُمَّةِ واَلْفَرْدِ وَاَلْمُجْتَمَعِ ، وَلِذَلِكَ يَقُوْلُ U : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ، وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ، وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ { يَقُوْلُ إِبْنُ كَثِيْرٍ فِيْ تَفْسِيْرِهِ : أُنْزِلَتْ فِي أَبِي لُبابة بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ ، حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ e إِلَى بَنِي قُرَيْظة ، لِيَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ e ، فَاسْتَشَارُوهُ فِي ذَلِكَ ، فَأَشَارَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ - أَيْ : إِنَّهُ الذَّبْحُ ، ثُمَّ فَطِنَ أَبُو لُبَابَةَ ، وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، فَحَلَفَ لَا يَذُوقُ ذَوَاقًا حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَانْطَلَقَ إِلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ ، فَرَبَطَ نَفْسَهُ فِي سَارِيَةٍ مِنْهُ ، فَمَكَثَ كَذَلِكَ تِسْعَةَ أَيَّامٍ ، حَتَّى كَانَ يَخِرُّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ مِنَ الْجَهْدِ ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ ، فَجَاءَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَهُ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَأَرَادُوا أَنْ يَحُلُّوهُ مِنَ السَّارِيَةِ ، فَحَلَفَ لَا يَحُلُّهُ مِنْهَا إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ e بِيَدِهِ ، فَحَلَّهُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً ، فَقَالَ : (( يَجْزِيكَ الثُّلُثُ أَنْ تَصدَّقَ بِهِ )) . فَخِيَاْنَةُ وَلِيِ أَمْرِ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، اَلَّذِيْ فِيْ اَلْأَعْنَاْقِ بَيْعَتُهُ ، وَأَوْجَبَ اَللهُ بِاَلْمَعْرُوْفِ سَمْعَهُ وَطَاْعَتَهُ ، جَرِيْمَةٌ مِنْ أَخْطَرِ اَلْجَرَاْئِمِ ، وَكَبِيْرَةٌ مِنْ كَبَاْئِرِ اَلْذُّنُوْبِ ، إِنْ لَمْ يَتُبْ مَنْ بُلِيَ بِهَاْ فَإِنَّهُ عَلَىْ خَطَرٍ عَظِيْمٍ ، وَأَيُ خَطَرٍ أَعْظَمُ مِنْ مَقْتِ اَللهِ U وَغَضَبِهِ وَعَدَمِ مَحَبَّتِهِ ، } إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ { وَ } إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا { وَ } إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ { ، فَاَلْخِيَاْنَةُ جُرْمٌ خَطِيْرٌ ، لَاْ يُحِبُ اَللهُ U مِنَ اِتَّصَفَ بِهَاْ ، وَلِذَلِكَ نَهَىْ U نَبِيَّهُ أَنْ يُدَاْفِعَ عَنْ أَهْلِهَاْ ، فَقَاْلَ U : } وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً { بَلْ لِشِدَّةِ خَطَرِهَاْ ، وَسُوْءِ نَتَاْئِجِهَاْ ، نَهَىْ اَلْدِّيْنُ عَنْ اَلْتَّعَاْمُلِ بِاَلْمِثْلِ مَعَ أَهْلِهَاْ ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ e : (( أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ )) فَحَتَّىْ اَلْخَاْئِنِ اَلْمُجْرِمِ ، لَاْ تَجُوْزُ خِيَاْنَتُهُ ، وَهَذَاْ مِمَّاْ يَدُلُّ عَلَىْ خَطَرِ اَلْخِيَاْنَةِ فِيْ اَلْمُجْتَمِعِ اَلْمُسْلِمِ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
رَوَىْ اَلْاِمَاْمُ أَحْمَدُ فِيْ مُسْنَدِهِ ، عَنْ أَبِيْ أُمَاْمَةَ t قَاْلَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : (( يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا ، إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ )) فَاَلْخِيَاْنَةُ لَيْسَتْ مِنْ طِبَاْعِ اَلْمُؤْمِنِيْنَ ، اَلْمُؤْمِنُ يَسْتَحِيْلُ أَنْ يَخُوْنَ وَطَنَاً نَشَأَ عَلَىْ أَرْضِهِ ، وَتَغَذَّىْ عَلَىْ طَعَاْمِهِ وَشَرَاْبِهِ ، أَيْنَ اَلْإِيْمَاْنُ مَمَّنْ يَجْعَلُ وَلَاْءَهُ وَمَحَبَّتَهُ ، لِغَيْرِ مَنْ أَوْجَبَ اَللهُ عَلَيْهِ سَمْعَهُ وَطَاْعَتَهُ . اَلْمُؤْمِنُ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ لَاْ يَشِقُّ عَصَىْ اَلْطَّاْعَةِ عَنْ وُلَاْتِهِ ، وَلَاْ يَنْقِضُ بَيْعَةَ مَنْ وَلَّاْهُ اَللهُ أَمْرَهُ ، وَلَاْ يُعِيْنُ عَدُوَهُ عَلَىْ مَآرِبِهِ وَمَقَاْصِدِه ، وَلَاْ يَكُنْ أَدَاْةً قَذِرَةً ، بِأَيْدِيْ مَنْ يَعْمَلُوْنَ عَلَىْ زَعْزَعَةِ أَمْنِ وَطَنِهِ . } لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ ، أَوْ أَبْنَاءَهُمْ ، أَوْ إِخْوَانَهُمْ ، أَوْ عَشِيرَتَهُمْ { ، فَوَلَاْءُ اَلْمُؤْمِنِ وَمَحَبَّتُهُ وَطَاْعَتُهُ ، يَجِبُ أَنْ تَكُوْنَ لِرَبِهِ U وَرَسُوْلِهِ e ، وَوَلِيْ أَمْرِهِ ، كَمَاْ قَاْلَ ـ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ ـ : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا { . فَاَلَّذِيْ يَفْعَلُهُ بَعْضُ اَلْنَّاْسِ اَلْيَوْمَ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ مَنْ اَلْتَّأْثُّرِ بِأَفْكَاْرِ اَلْجَمَاْعَاْتِ اَلْتَّكْفِيْرِيَّةِ ، كَجَمَاْعَةِ اَلْإِخْوَاْنِ اَلْمُجْرِمِيْنَ ، اَلَّتِيْ أَعْلَنَتِ اَلْدُّوْلَةُ حَضْرَهَاْ ، وَاَلْعَمَلِ بَمَنْهَجِ اَلْصُّوْفِيَةِ ، كَجَمَاْعَةِ اَلْتَّبْلِيْغِ اَلْخَاْرِجِيْنَ ، اَلَّتِيْ مَنَعَتْ اَلْدَّوْلَةُ تَوَاْجِدَهَاْ ، هُوَ ـ وَاَللهِ ـ مِنَ اَلْخِيَاْنَةِ لِلْإِسْلَاْمِ وَاَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَنَزْعِ اَلْبَيْعَةِ اَلَّتِيْ أَوْجَبَ رَبُّ اَلْعَاْلَمِيْنَ ، وَلَاْ أَدَلُّ عَلَىْ خَيَاْنَتِهِمْ ، مِنَ اَلْأَحْدَاْثِ وَاَلْمَصَاْئِبِ اَلَّتِيْ حَلَّتْ بِمُجْتَمَعِنَاْ بِسَبَبِهِمْ .
وَمِمَّاْ يَدُلُّ عَلَىْ خِسَّةِ وَدَنَاْئَةِ وَلُؤْمِ وَحَقَاْرَةِ خُوَّاْنِنَاْ اَلْمُجْرِمِيْنَ ، وَسَوْءِ مَقَاْصِدِهِمْ ، سُكُوْتُهُمْ وَعَدَمُ إِعْلَاْنِ تَوْبَتِهِمْ ، وَخَاْصَةً بَعْدَ اِنْكِشَاْفِ عَوَاْرِهِمْ ، فَقَدْ تَسَبَّبُوْا فِيْ تَوْرِيْطِ شَبَاْبِنَاْ ، وَتَفْجِيْرِ مَسَاْجِدِنَاء ، وَقَنْصِ رِجَاْلِ أَمْنِنَاْ ، وَاَلْتَّهْوُيْنِ مِنْ شَأْنِ عُلَمَاْئِنَاْ ، وَاَخْتِطَاْفِ تَعْلِيْمِنَاْ ، وَتَلْوُيْثِ أَفْكَاْرِ بَعْضِنَاْ ، وَإِيْجَاْدِ مَنْ يَحْقِدُ عَلَىْ وَلِاْةِ أَمْرِنَاْ ، وَإِقْصَاْءِ مَنْ يَنْصَحُ لِأَئِمَّتِنَاْ وَعَاْمَتِنَاْ ، وَمَاْ زَاْلُوْا بَيْنَنَاْ ، أَزَاْلَ اَللهُ آثَاْرَهُمْ ، وَهَتَكَ أَسْتَاْرَهُمْ . أَبُوْ لُبَاْبَةَ t ، مُجَرَّدُ إِشَاْرَةٍ إِلَىْ حَلْقِهِ ، رَبَطَ نَفْسَهُ تِسْعَةَ أَيَّاْمٍ فِيْ سَاْرِيَةِ مَسْجِدِ رَسُوْلِ اَللهِ e ، نَاْدِمَاً عَلَىْ فِعْلَتِهِ ، مُعْلِنَاً لِتَوْبَتِهِ ، حَتَّىْ تَاْبَ اَللهُ U عَلَيْهِ ، فَحَرِيٌ بِهِمْ ، أَنْ يُعْلِنُوْا تَوْبَتَهُمْ ، وَأَنْ يَعْتَذِرُوْا عَنْ أَخْطَاْئِهِمْ ، وَأَنْ يُجَدِّدُوْا وَلَاْءَهُمْ ، وَيَتَبَرَّءُوْا مِنْ جَمَاْعَاْتِ أَسْيَاْدِهِمْ ، وَلْيَحْذَرُوْا أَنْ يَقَعَ بِحَقِّهِمْ قَوْلُهُ U : } وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ { بَاْرَكَ اَللهُ لِيْ وَلَكُمْ بِاَلْقُرَّآْنِ اَلْعَظِيْمِ ، وَنَفَعَنِيْ وَإِيَّاْكُمْ بِمَاْ فَيْهِ مِنَ اَلْآيَاْتِ وَاَلْذِّكْرِ اَلْحَكِيْمِ ، أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَاْ وَاَسْتَغْفِرُ اَللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرُ اَلْرَّحِيْمُ .
الخطبة الثانية
اَلْحَمْدُ لِلهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَاَمْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ ، صَلَّىْ اَللهُ عَلِيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
إِنَّ مِنَّاْ مَنْ يُبَاْلِغُ فِيْ إِحْسَاْنِ ظَنِّهِ ، فَيَسْتَبْعِدْ وُجُوْدَ اَلْخَوَنَةِ فِيْ مُجْتَمَعِهِ ، وَهَذَاْ مِمَّاْ يَتَسَبَّبُ فِيْ وُجُوْدِ اَلْخَاْئِنِيْنَ ، وَيُسَاْعِدُ عَلَىْ تَمْكِيْنِهِمْ مِنَ اَلْإِسَاْءَةِ إِلَىْ بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، اِبْنُ اَلْعَلْقَمِيِ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ رَاْفِضِيٌ خَبِيْثٌ مُنَاْفِقٌ ، كَاْنَ وَزِيْرًا لِلْخَلِيْفَةِ اَلْعَبَّاْسِيِ : اَلْمُسْتَعْصِمِ بِاَللهِ ، وَكَاْنَ لَهُ اَلْدُّوْرَ اَلْكَبِيْرَ فِيْ دُخُوْلِ اَلْتَّتَرِ إِلَىْ بَغْدَاْدَ ، وَسُقُوْطِ اَلْخِلَاْفَةِ اَلْعَبَاْسِيَّةِ فِيْهَاْ ، وَاَلْمَذَاْبِحِ اَلْمُرَوِّعَةِ اَلَّتِيْ نَتَجَتْ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَدْ كَتَبَ اِبْنُ اَلْعَلْقَمِيِ هَذَاْ ، إِلَىْ هُوْلَاْكُوْ مَلِكِ اَلْتَّتَرِ ، يُبْدِيْ لَهُ اِسْتِعْدَاْدَهُ أَنْ يُسَلِّمَهُ بِغْدَاْدَ إِذَاْ حَضَرَ بِجَيْشِهِ إِلَيْهَاْ ، فَكَتَبَ هُوْلَاْكُوْ لِاِبْنِ اَلْعَلْقَمِيِ : إِنَّ عَسَاْكِرَ بَغْدَاْدَ كَثِيْرَةٌ ، فَإِنْ كُنْتَ صَاْدِقًا فَيْمَاْ قُلْتَ لَنَاْ ، وَدَاْخِلاً تَحْتَ طَاْعَتِنَاْ فَفَرِّقَ اَلْعَسْكَرَ ، فَلَمَّاْ وَصَلَ اَلْكِتَاْبُ إِلَىْ اِبْنِ اَلْعَلْقَمِيِ دَخَلَ عَلَىْ اَلْمُسْتَعْصِمِ ، وَزَيَّنَ لَهُ أَنْ يُسَرِّحَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفِ فَاْرِسٍ مِنْ عَسْكَرِهِ ؛ لِأَنَّ اَلْتَّتَرَ قَدْ رَجَعُوْا إِلَىْ بِلَاْدِهِمْ ، وَلَاْ حَاْجَةَ لِتَكْلِيْفِ اَلْدَّوْلَةِ كُلْفَةَ هَؤُلَاْءِ اَلْعَسَاْكِرِ ، فَاَسْتَجَاْبَ اَلْخَلِيْفَةُ لِرَأْيِهِ ، وَأَصْدَرَ أَمْرًا بِذَلِكَ ، فَخَرَجَ اِبْنُ اَلْعَلْقَمِيِ بِنَفْسِهِ وَمَعَهُ اَلْأَمْرُ ، وَاَسْتَعْرَضَ اَلْجَيْشَ وَاَخْتَاْرَ تَسْرِيْحَ أَفْضَلِهِمْ ، وَأَمَرَهُمْ بِمُغَاْدَرَةِ بَغْدَاْدَ وَكُلَّ مُلْحَقَاْتِهَاْ اَلْإِدَاْرِيَّةِ ، فَتَفَرَّقُوْا فِيْ اَلْبِلَاْدِ .
سُبْحَاْنَ اَللهِ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ إِقْصَاْءُ وَإِبْعَاْدُ وَتَشْوُيْهُ سُمْعَةِ اَلْمُخْلِصِيْنَ لِدِيْنِهِمْ وَوَطَنِهِمْ وَمُجْتَمَعِهِمْ وَوَلِيِ أَمْرِهِمْ ، هُوَ أَوْلَىْ وَأَهَمُّ عَمَلٍ يَقُوْمُ بِهِ اَلْخَوَنَةُ ، وَيَحْرِصُوْنَ عَلَيْهِ .
فَاَبْنُ اَلْعَلْقَمِيِ ، سَرَّحَ أَفْضَلَ مَنْ فِيْ اَلْجَيْشِ ، وَبَعْدَ عِدَّةِ أَشْهُرٍ زَيَّنَ لَلْخَلِيْفَةِ أَنْ يُسَرِّحَ أَيْضًا عِشْرِيْنَ أَلْفًا فَاَسْتَجَاْبَ لِطَلَبِهِ ، وَفَعَلَ اِبْنُ اَلْعَلْقَمِيِ كَمَاْ فَعَلَ فِيْ اَلْأُوْلَىْ ، فَاَخْتَاْرَهُمْ عَلَىْ عَيْنِهِ ، كَاْنَ هَؤُلَاْءِ اَلْفُرْسَاْنِ اَلَّذِيْنَ سُرِّحُوْا ـ كَمَاْ يَقُوْلُ اَلْمُؤَرِّخُوْنَ ـ بِقُوَّةِ مِائَتِيْ أَلْفِ فَاْرِسٍ .
وَلَمَّاْ أَتَمَّ مَكِيْدَتَهُ ، كَتَبَ إِلَىْ هُوْلَاْكُوْ بِمَاْ فَعَلَ ، فَرَكِبَ هُوْلَاْكُوْ وَقَدِمَ بِجَيْشِهِ إِلَىْ بَغْدَاْدَ ، وَأَحَسَّ أَهْلُ بَغْدَاْدٍ بِمُدَاْهَمَةِ جَيْشِ اَلْتَّتَرِ لَهُمْ ، فَاَجْتَمَعُوْا وَتَحَاْلَفُوْا وَقَاْتَلَ اَلْمُسْلِمُوْنَ بِبَسَاْلَةٍ ، وَحَلَّتْ اَلْهَزِيْمَةُ بِجَيْشِ اَلْتَّتَرِ ، ثُمَّ عَاْدَ اَلْمُسْلِمُوْنَ مُؤَيَّدِيْنَ مَنْصُوْرِيْنَ ، وَنَزَلُوْا فِيْ خِيَاْمِهِمْ مُطْمَئِنِّيْنَ ، فَلَمَّاْ جَاْءَ اَلْلَّيْلُ أَرْسَلَ اَلْوَزِيْرُ اِبْنُ اَلْعَلْقَمِيِ جَمَاْعَةً مِنْ أَصْحَاْبِهِ اَلْمُنَاْفِقِيْنَ اَلْخَوَنَةِ ، فَحَبَسُوْا مِيَاْهَ دِجْلَةَ ، فَفَاْضَ اَلْمَاْءُ عَلَىْ عَسَاْكِرِ بَغْدَاْدَ وَهُمْ نَاْئِمُوْنَ فِيْ خِيَاْمِهِمْ ، وَصَاْرَتْ مُعَسْكَرَاْتُهُمْ مَغْمُوْرَةً وَمُحَاْطَةً بِاَلْوَحْلِ . وَكَاْنَ اِبْنُ اَلْعَلْقَمِيِ قَدْ أَرْسَلَ إِلَىْ هُوْلَاْكُوْ يُعْلِمُهُ بِمَكِيْدَتِهِ ، فَعَاْدَ هُوْلَاْكُوْ بِجَيْشِهِ وَعَسْكَرَ حَوْلَ بَغْدَاْدَ ، فَلَمَّاْ جَاْءَ اَلْصُّبْحُ دَخَلَ جَيْشُ اَلْتَّتَرِ بَغْدَاْدَ وَوَضَعُوْا اَلْسَّيْفَ فِيْ أَهْلِهَاْ ، وَقَتَلُوْا اَلْخَلِيْفَةَ وَاَبْنَهُ قَتْلَةً شَنِيْعَةً ، وَأَفْسَدُوْا أَشَدَّ اَلْفَسَاْدِ . ثُمَّ دَعَاْ هُوْلَاْكُوْ بِاِبْنِ اَلْعَلْقَمِيِ لِيُكَاْفِئَهُ ، فَحَضَرَ اَلْخَاْئِنُ بَيْنَ يَدِيْهِ ، فَوَبَّخَهُ عَلَىْ خِيَاْنَتِهِ لِسَيِّدِهِ اَلَّذِيْ وَثِقَ بِهِ ، ثُمَّ قَاْلَ : لَوْ أَعْطَيْنَاْكَ كُلَّ مَاْ نَمْلِكُ مَاْ نَرْجُوْ مِنْكَ خَيْرًا ، فَمَاْ نَرَىْ إِلَّاْ قَتْلَكَ ، فَقُتِلَ شَرَّ قِتْلَةٍ ، وَصَدَقَ اَللهُ U ، } وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيّئ إِلاَّ بِأَهْلِهِ { .
فَلْنَتَّقِ اَللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اَللهِ ـ وَلْنَحْذَرْ اَلْخَوَنَةَ وَاَلْمُنَاْفِقِيْنَ ، وَلْنَتَذَكَّرْ قَوْلَ اَلْنَّبِيِ e ، فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ : (( سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ )) ، قِيلَ : وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قَالَ e : (( الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ )) ، وَفِيْ رِوَاْيَةٍ : (( اَلْسَّفِيْهُ يَتَكَلَّمُ فِيْ أَمْرِ اَلْعَاْمَّةِ )).
اَسْأَلُ اَللهَ U أَنْ يَجْعَلَنِيْ وَإِيَّاْكُمْ مِنَ اَلَّذِيْنَ يَسْتَمِعُوْنَ اَلْقَوْلَ فَيَتَّبِعُوْنَ أَحْسَنَهُ ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ . أَلَاْ وَصَلُّوْا عَلَىْ اَلْبَشِيْرِ اَلْنَّذِيْرِ ، وَاَلْسِّرَاْجِ اَلْمُنِيْرِ ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اَلْلَّطِيْفُ اَلْخَبِيْرُ ، فَقَاْلَ جَلَّ مِنْ قَاْئِلٍ عَلِيْمَاً : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ e : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )) فَاَلْلَّهُمَّ صَلِيْ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَاْرَكْ عَلَىْ نَبِيِّنَاْ مُحَمَّدٍ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ أَجْمَعِيْنَ ، وَاَرْضِ اَلْلَّهُمَّ عَنِ اَلْتَّاْبِعِيْنَ وَتَاْبِعِيْ اَلْتَّاْبِعِيْنَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَاْنٍ إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ ، وَعَنَّاْ مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ وَجُوْدِكَ وَرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْن . اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ نَصْرَ اَلْإِسْلَاْمِ وَعِزَّ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ أَعِزَّ اَلْإِسْلَاْمَ وَاَنْصُرَ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَاَحْمِيْ حَوْزَةَ اَلْدِّيْنَ ، وَاَجْعَلْ بَلَدَنَاْ آمِنَاً مُطْمَئِنَاً وَسَاْئِرَ بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ .
اَلْلَّهُمَّ عَجِّلْ بِنَصْرِ جُنُوْدِنَاْ اَلْمُجَاْهِدِيْنَ ، وَاَحْفِظْهُمْ بِحِفْظِكَ اَلْمَكِيْن ، وَرُدَّهُمْ إِلَىْ ذَوِيْهِمْ سَاْلِمِيْنَ غَاْنِمِيْنَ مُنْتَصِرِيْنَ ، وَاَهْزِمْ اَلْحُوْثِيِّيْنَ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنَ اَلْخَاْئِنِيْنَ ، وَاَجْعَلْ دَاْئِرَةَ اَلْسَّوْءِ عَلَىْ اَلْصَّفَوُيِّيْنَ اَلْحَاْقِدِيْنَ ، يَاْقَوُيَ يَاْ عَزِيْزَ . اللّهُمّ أَنْتَ اللّهُ لَا إلَهَ إلّا أَنْتَ ، تَفْعَلُ مَاْ تَشَاْءُ وَمَاْ تُرِيدُ ، وَأَنْتَ اَلْغَنِيُّ اَلْحَمِيْدُ ، وَنَحْنُ اَلْفُقَرَاءُ وَاَلْعَبِيْدُ ، اَلْلّهُمّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَلَاْ تَجْعَلْنَاْ مِنْ اَلْقَاْنِطِيْنَ ،اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيعًا طَبَقًا غَدَقًا غَيْرَ رَائِثٍ ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ ، اللّهُمّ أَغِثْنَاْ ، اللّهُمّ أَغِثْنَاْ ، اللّهُمّ أَغِثْنَاْ .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَاْدَ اَللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
اَلْإِبَاْنَةُ لِخَطَرِ اَلْخِيَاْنَة
https://www.youtube.com/watch?v=-QpSBuc4s7Q
} الْحَمْدُ لِلَّهِ ، الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ ، وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا { ، أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ ، } لَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا ، مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ، وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ، فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا { ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدُهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ ، } خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ، الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا { ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، أَرْسَلَهُ بِاَلْحَقِّ } شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا { ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَاَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
أُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِيْ ، بِوَصِيَّةِ اَللهِ لَكُمْ ، وَلِمَنْ كَاْنَ قَبْلَكُمْ ، تَقْوَىْ اَللهِ U : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فَــ : } اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { جَعَلَنِيْ اَللهُ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُتَّقِيْن .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
خِيَاْنَةُ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَوَطَنِهِمْ اَلَّذِيْ يُحْكَمُ بِاَلْدِّيْنِ ، وَوَلِيِ أَمْرِهِمْ اَلْمُقِيْمِ لِشَرْعِ رَبِّ اَلْعَاْلَمِيْنَ ، مِنَ اَلْأَخْلَاْقِ اَلْمَذْمُوْمَةِ شَرْعَاً وَعَقْلَاً ، وَمِنَ اَلْصِّفَاْتِ اَلْسَّيِّئَةِ اَلْمَمْقُوْتَةِ عُرْفَاً وَطَبْعَاً ، وَهِيَ صِفَةٌ لَاْ يَتَّصِفُ بِهَاْ إِلَّاْ ضِعَاْفُ اَلْإِيْمَاْنِ ، وَلَاْ يَتَجَرَّأُ عَلَيْهَاْ إِلَّاْ خُبَثَاْءُ اَلْنُّفُوْسِ ، وَهِيَ مِنَ اَلْجَرَاْئِمِ اَلَّتِيْ حَذَّرَ اَلْإِسْلَاْمُ مِنْهَاْ ، وَنَفَّرَ بِنُصُوْصِهِ عَنْهَاْ ، لِخَطَرِهَاْ وَشِدَّةِ أَثَرِهَاْ وَعَظِيْمِ ضَرَرِهَاْ ، وَسُوْءِ عَوَاْقِبِهَاْ عَلَىْ اَلْأُمَّةِ واَلْفَرْدِ وَاَلْمُجْتَمَعِ ، وَلِذَلِكَ يَقُوْلُ U : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ، وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ، وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ { يَقُوْلُ إِبْنُ كَثِيْرٍ فِيْ تَفْسِيْرِهِ : أُنْزِلَتْ فِي أَبِي لُبابة بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ ، حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ e إِلَى بَنِي قُرَيْظة ، لِيَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ e ، فَاسْتَشَارُوهُ فِي ذَلِكَ ، فَأَشَارَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ - أَيْ : إِنَّهُ الذَّبْحُ ، ثُمَّ فَطِنَ أَبُو لُبَابَةَ ، وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، فَحَلَفَ لَا يَذُوقُ ذَوَاقًا حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَانْطَلَقَ إِلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ ، فَرَبَطَ نَفْسَهُ فِي سَارِيَةٍ مِنْهُ ، فَمَكَثَ كَذَلِكَ تِسْعَةَ أَيَّامٍ ، حَتَّى كَانَ يَخِرُّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ مِنَ الْجَهْدِ ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ ، فَجَاءَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَهُ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَأَرَادُوا أَنْ يَحُلُّوهُ مِنَ السَّارِيَةِ ، فَحَلَفَ لَا يَحُلُّهُ مِنْهَا إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ e بِيَدِهِ ، فَحَلَّهُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً ، فَقَالَ : (( يَجْزِيكَ الثُّلُثُ أَنْ تَصدَّقَ بِهِ )) . فَخِيَاْنَةُ وَلِيِ أَمْرِ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، اَلَّذِيْ فِيْ اَلْأَعْنَاْقِ بَيْعَتُهُ ، وَأَوْجَبَ اَللهُ بِاَلْمَعْرُوْفِ سَمْعَهُ وَطَاْعَتَهُ ، جَرِيْمَةٌ مِنْ أَخْطَرِ اَلْجَرَاْئِمِ ، وَكَبِيْرَةٌ مِنْ كَبَاْئِرِ اَلْذُّنُوْبِ ، إِنْ لَمْ يَتُبْ مَنْ بُلِيَ بِهَاْ فَإِنَّهُ عَلَىْ خَطَرٍ عَظِيْمٍ ، وَأَيُ خَطَرٍ أَعْظَمُ مِنْ مَقْتِ اَللهِ U وَغَضَبِهِ وَعَدَمِ مَحَبَّتِهِ ، } إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ { وَ } إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا { وَ } إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ { ، فَاَلْخِيَاْنَةُ جُرْمٌ خَطِيْرٌ ، لَاْ يُحِبُ اَللهُ U مِنَ اِتَّصَفَ بِهَاْ ، وَلِذَلِكَ نَهَىْ U نَبِيَّهُ أَنْ يُدَاْفِعَ عَنْ أَهْلِهَاْ ، فَقَاْلَ U : } وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً { بَلْ لِشِدَّةِ خَطَرِهَاْ ، وَسُوْءِ نَتَاْئِجِهَاْ ، نَهَىْ اَلْدِّيْنُ عَنْ اَلْتَّعَاْمُلِ بِاَلْمِثْلِ مَعَ أَهْلِهَاْ ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ e : (( أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ )) فَحَتَّىْ اَلْخَاْئِنِ اَلْمُجْرِمِ ، لَاْ تَجُوْزُ خِيَاْنَتُهُ ، وَهَذَاْ مِمَّاْ يَدُلُّ عَلَىْ خَطَرِ اَلْخِيَاْنَةِ فِيْ اَلْمُجْتَمِعِ اَلْمُسْلِمِ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
رَوَىْ اَلْاِمَاْمُ أَحْمَدُ فِيْ مُسْنَدِهِ ، عَنْ أَبِيْ أُمَاْمَةَ t قَاْلَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : (( يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا ، إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ )) فَاَلْخِيَاْنَةُ لَيْسَتْ مِنْ طِبَاْعِ اَلْمُؤْمِنِيْنَ ، اَلْمُؤْمِنُ يَسْتَحِيْلُ أَنْ يَخُوْنَ وَطَنَاً نَشَأَ عَلَىْ أَرْضِهِ ، وَتَغَذَّىْ عَلَىْ طَعَاْمِهِ وَشَرَاْبِهِ ، أَيْنَ اَلْإِيْمَاْنُ مَمَّنْ يَجْعَلُ وَلَاْءَهُ وَمَحَبَّتَهُ ، لِغَيْرِ مَنْ أَوْجَبَ اَللهُ عَلَيْهِ سَمْعَهُ وَطَاْعَتَهُ . اَلْمُؤْمِنُ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ لَاْ يَشِقُّ عَصَىْ اَلْطَّاْعَةِ عَنْ وُلَاْتِهِ ، وَلَاْ يَنْقِضُ بَيْعَةَ مَنْ وَلَّاْهُ اَللهُ أَمْرَهُ ، وَلَاْ يُعِيْنُ عَدُوَهُ عَلَىْ مَآرِبِهِ وَمَقَاْصِدِه ، وَلَاْ يَكُنْ أَدَاْةً قَذِرَةً ، بِأَيْدِيْ مَنْ يَعْمَلُوْنَ عَلَىْ زَعْزَعَةِ أَمْنِ وَطَنِهِ . } لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ ، أَوْ أَبْنَاءَهُمْ ، أَوْ إِخْوَانَهُمْ ، أَوْ عَشِيرَتَهُمْ { ، فَوَلَاْءُ اَلْمُؤْمِنِ وَمَحَبَّتُهُ وَطَاْعَتُهُ ، يَجِبُ أَنْ تَكُوْنَ لِرَبِهِ U وَرَسُوْلِهِ e ، وَوَلِيْ أَمْرِهِ ، كَمَاْ قَاْلَ ـ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ ـ : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا { . فَاَلَّذِيْ يَفْعَلُهُ بَعْضُ اَلْنَّاْسِ اَلْيَوْمَ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ مَنْ اَلْتَّأْثُّرِ بِأَفْكَاْرِ اَلْجَمَاْعَاْتِ اَلْتَّكْفِيْرِيَّةِ ، كَجَمَاْعَةِ اَلْإِخْوَاْنِ اَلْمُجْرِمِيْنَ ، اَلَّتِيْ أَعْلَنَتِ اَلْدُّوْلَةُ حَضْرَهَاْ ، وَاَلْعَمَلِ بَمَنْهَجِ اَلْصُّوْفِيَةِ ، كَجَمَاْعَةِ اَلْتَّبْلِيْغِ اَلْخَاْرِجِيْنَ ، اَلَّتِيْ مَنَعَتْ اَلْدَّوْلَةُ تَوَاْجِدَهَاْ ، هُوَ ـ وَاَللهِ ـ مِنَ اَلْخِيَاْنَةِ لِلْإِسْلَاْمِ وَاَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَنَزْعِ اَلْبَيْعَةِ اَلَّتِيْ أَوْجَبَ رَبُّ اَلْعَاْلَمِيْنَ ، وَلَاْ أَدَلُّ عَلَىْ خَيَاْنَتِهِمْ ، مِنَ اَلْأَحْدَاْثِ وَاَلْمَصَاْئِبِ اَلَّتِيْ حَلَّتْ بِمُجْتَمَعِنَاْ بِسَبَبِهِمْ .
وَمِمَّاْ يَدُلُّ عَلَىْ خِسَّةِ وَدَنَاْئَةِ وَلُؤْمِ وَحَقَاْرَةِ خُوَّاْنِنَاْ اَلْمُجْرِمِيْنَ ، وَسَوْءِ مَقَاْصِدِهِمْ ، سُكُوْتُهُمْ وَعَدَمُ إِعْلَاْنِ تَوْبَتِهِمْ ، وَخَاْصَةً بَعْدَ اِنْكِشَاْفِ عَوَاْرِهِمْ ، فَقَدْ تَسَبَّبُوْا فِيْ تَوْرِيْطِ شَبَاْبِنَاْ ، وَتَفْجِيْرِ مَسَاْجِدِنَاء ، وَقَنْصِ رِجَاْلِ أَمْنِنَاْ ، وَاَلْتَّهْوُيْنِ مِنْ شَأْنِ عُلَمَاْئِنَاْ ، وَاَخْتِطَاْفِ تَعْلِيْمِنَاْ ، وَتَلْوُيْثِ أَفْكَاْرِ بَعْضِنَاْ ، وَإِيْجَاْدِ مَنْ يَحْقِدُ عَلَىْ وَلِاْةِ أَمْرِنَاْ ، وَإِقْصَاْءِ مَنْ يَنْصَحُ لِأَئِمَّتِنَاْ وَعَاْمَتِنَاْ ، وَمَاْ زَاْلُوْا بَيْنَنَاْ ، أَزَاْلَ اَللهُ آثَاْرَهُمْ ، وَهَتَكَ أَسْتَاْرَهُمْ . أَبُوْ لُبَاْبَةَ t ، مُجَرَّدُ إِشَاْرَةٍ إِلَىْ حَلْقِهِ ، رَبَطَ نَفْسَهُ تِسْعَةَ أَيَّاْمٍ فِيْ سَاْرِيَةِ مَسْجِدِ رَسُوْلِ اَللهِ e ، نَاْدِمَاً عَلَىْ فِعْلَتِهِ ، مُعْلِنَاً لِتَوْبَتِهِ ، حَتَّىْ تَاْبَ اَللهُ U عَلَيْهِ ، فَحَرِيٌ بِهِمْ ، أَنْ يُعْلِنُوْا تَوْبَتَهُمْ ، وَأَنْ يَعْتَذِرُوْا عَنْ أَخْطَاْئِهِمْ ، وَأَنْ يُجَدِّدُوْا وَلَاْءَهُمْ ، وَيَتَبَرَّءُوْا مِنْ جَمَاْعَاْتِ أَسْيَاْدِهِمْ ، وَلْيَحْذَرُوْا أَنْ يَقَعَ بِحَقِّهِمْ قَوْلُهُ U : } وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ { بَاْرَكَ اَللهُ لِيْ وَلَكُمْ بِاَلْقُرَّآْنِ اَلْعَظِيْمِ ، وَنَفَعَنِيْ وَإِيَّاْكُمْ بِمَاْ فَيْهِ مِنَ اَلْآيَاْتِ وَاَلْذِّكْرِ اَلْحَكِيْمِ ، أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَاْ وَاَسْتَغْفِرُ اَللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرُ اَلْرَّحِيْمُ .
الخطبة الثانية
اَلْحَمْدُ لِلهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَاَمْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ ، صَلَّىْ اَللهُ عَلِيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
إِنَّ مِنَّاْ مَنْ يُبَاْلِغُ فِيْ إِحْسَاْنِ ظَنِّهِ ، فَيَسْتَبْعِدْ وُجُوْدَ اَلْخَوَنَةِ فِيْ مُجْتَمَعِهِ ، وَهَذَاْ مِمَّاْ يَتَسَبَّبُ فِيْ وُجُوْدِ اَلْخَاْئِنِيْنَ ، وَيُسَاْعِدُ عَلَىْ تَمْكِيْنِهِمْ مِنَ اَلْإِسَاْءَةِ إِلَىْ بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، اِبْنُ اَلْعَلْقَمِيِ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ رَاْفِضِيٌ خَبِيْثٌ مُنَاْفِقٌ ، كَاْنَ وَزِيْرًا لِلْخَلِيْفَةِ اَلْعَبَّاْسِيِ : اَلْمُسْتَعْصِمِ بِاَللهِ ، وَكَاْنَ لَهُ اَلْدُّوْرَ اَلْكَبِيْرَ فِيْ دُخُوْلِ اَلْتَّتَرِ إِلَىْ بَغْدَاْدَ ، وَسُقُوْطِ اَلْخِلَاْفَةِ اَلْعَبَاْسِيَّةِ فِيْهَاْ ، وَاَلْمَذَاْبِحِ اَلْمُرَوِّعَةِ اَلَّتِيْ نَتَجَتْ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَدْ كَتَبَ اِبْنُ اَلْعَلْقَمِيِ هَذَاْ ، إِلَىْ هُوْلَاْكُوْ مَلِكِ اَلْتَّتَرِ ، يُبْدِيْ لَهُ اِسْتِعْدَاْدَهُ أَنْ يُسَلِّمَهُ بِغْدَاْدَ إِذَاْ حَضَرَ بِجَيْشِهِ إِلَيْهَاْ ، فَكَتَبَ هُوْلَاْكُوْ لِاِبْنِ اَلْعَلْقَمِيِ : إِنَّ عَسَاْكِرَ بَغْدَاْدَ كَثِيْرَةٌ ، فَإِنْ كُنْتَ صَاْدِقًا فَيْمَاْ قُلْتَ لَنَاْ ، وَدَاْخِلاً تَحْتَ طَاْعَتِنَاْ فَفَرِّقَ اَلْعَسْكَرَ ، فَلَمَّاْ وَصَلَ اَلْكِتَاْبُ إِلَىْ اِبْنِ اَلْعَلْقَمِيِ دَخَلَ عَلَىْ اَلْمُسْتَعْصِمِ ، وَزَيَّنَ لَهُ أَنْ يُسَرِّحَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفِ فَاْرِسٍ مِنْ عَسْكَرِهِ ؛ لِأَنَّ اَلْتَّتَرَ قَدْ رَجَعُوْا إِلَىْ بِلَاْدِهِمْ ، وَلَاْ حَاْجَةَ لِتَكْلِيْفِ اَلْدَّوْلَةِ كُلْفَةَ هَؤُلَاْءِ اَلْعَسَاْكِرِ ، فَاَسْتَجَاْبَ اَلْخَلِيْفَةُ لِرَأْيِهِ ، وَأَصْدَرَ أَمْرًا بِذَلِكَ ، فَخَرَجَ اِبْنُ اَلْعَلْقَمِيِ بِنَفْسِهِ وَمَعَهُ اَلْأَمْرُ ، وَاَسْتَعْرَضَ اَلْجَيْشَ وَاَخْتَاْرَ تَسْرِيْحَ أَفْضَلِهِمْ ، وَأَمَرَهُمْ بِمُغَاْدَرَةِ بَغْدَاْدَ وَكُلَّ مُلْحَقَاْتِهَاْ اَلْإِدَاْرِيَّةِ ، فَتَفَرَّقُوْا فِيْ اَلْبِلَاْدِ .
سُبْحَاْنَ اَللهِ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ إِقْصَاْءُ وَإِبْعَاْدُ وَتَشْوُيْهُ سُمْعَةِ اَلْمُخْلِصِيْنَ لِدِيْنِهِمْ وَوَطَنِهِمْ وَمُجْتَمَعِهِمْ وَوَلِيِ أَمْرِهِمْ ، هُوَ أَوْلَىْ وَأَهَمُّ عَمَلٍ يَقُوْمُ بِهِ اَلْخَوَنَةُ ، وَيَحْرِصُوْنَ عَلَيْهِ .
فَاَبْنُ اَلْعَلْقَمِيِ ، سَرَّحَ أَفْضَلَ مَنْ فِيْ اَلْجَيْشِ ، وَبَعْدَ عِدَّةِ أَشْهُرٍ زَيَّنَ لَلْخَلِيْفَةِ أَنْ يُسَرِّحَ أَيْضًا عِشْرِيْنَ أَلْفًا فَاَسْتَجَاْبَ لِطَلَبِهِ ، وَفَعَلَ اِبْنُ اَلْعَلْقَمِيِ كَمَاْ فَعَلَ فِيْ اَلْأُوْلَىْ ، فَاَخْتَاْرَهُمْ عَلَىْ عَيْنِهِ ، كَاْنَ هَؤُلَاْءِ اَلْفُرْسَاْنِ اَلَّذِيْنَ سُرِّحُوْا ـ كَمَاْ يَقُوْلُ اَلْمُؤَرِّخُوْنَ ـ بِقُوَّةِ مِائَتِيْ أَلْفِ فَاْرِسٍ .
وَلَمَّاْ أَتَمَّ مَكِيْدَتَهُ ، كَتَبَ إِلَىْ هُوْلَاْكُوْ بِمَاْ فَعَلَ ، فَرَكِبَ هُوْلَاْكُوْ وَقَدِمَ بِجَيْشِهِ إِلَىْ بَغْدَاْدَ ، وَأَحَسَّ أَهْلُ بَغْدَاْدٍ بِمُدَاْهَمَةِ جَيْشِ اَلْتَّتَرِ لَهُمْ ، فَاَجْتَمَعُوْا وَتَحَاْلَفُوْا وَقَاْتَلَ اَلْمُسْلِمُوْنَ بِبَسَاْلَةٍ ، وَحَلَّتْ اَلْهَزِيْمَةُ بِجَيْشِ اَلْتَّتَرِ ، ثُمَّ عَاْدَ اَلْمُسْلِمُوْنَ مُؤَيَّدِيْنَ مَنْصُوْرِيْنَ ، وَنَزَلُوْا فِيْ خِيَاْمِهِمْ مُطْمَئِنِّيْنَ ، فَلَمَّاْ جَاْءَ اَلْلَّيْلُ أَرْسَلَ اَلْوَزِيْرُ اِبْنُ اَلْعَلْقَمِيِ جَمَاْعَةً مِنْ أَصْحَاْبِهِ اَلْمُنَاْفِقِيْنَ اَلْخَوَنَةِ ، فَحَبَسُوْا مِيَاْهَ دِجْلَةَ ، فَفَاْضَ اَلْمَاْءُ عَلَىْ عَسَاْكِرِ بَغْدَاْدَ وَهُمْ نَاْئِمُوْنَ فِيْ خِيَاْمِهِمْ ، وَصَاْرَتْ مُعَسْكَرَاْتُهُمْ مَغْمُوْرَةً وَمُحَاْطَةً بِاَلْوَحْلِ . وَكَاْنَ اِبْنُ اَلْعَلْقَمِيِ قَدْ أَرْسَلَ إِلَىْ هُوْلَاْكُوْ يُعْلِمُهُ بِمَكِيْدَتِهِ ، فَعَاْدَ هُوْلَاْكُوْ بِجَيْشِهِ وَعَسْكَرَ حَوْلَ بَغْدَاْدَ ، فَلَمَّاْ جَاْءَ اَلْصُّبْحُ دَخَلَ جَيْشُ اَلْتَّتَرِ بَغْدَاْدَ وَوَضَعُوْا اَلْسَّيْفَ فِيْ أَهْلِهَاْ ، وَقَتَلُوْا اَلْخَلِيْفَةَ وَاَبْنَهُ قَتْلَةً شَنِيْعَةً ، وَأَفْسَدُوْا أَشَدَّ اَلْفَسَاْدِ . ثُمَّ دَعَاْ هُوْلَاْكُوْ بِاِبْنِ اَلْعَلْقَمِيِ لِيُكَاْفِئَهُ ، فَحَضَرَ اَلْخَاْئِنُ بَيْنَ يَدِيْهِ ، فَوَبَّخَهُ عَلَىْ خِيَاْنَتِهِ لِسَيِّدِهِ اَلَّذِيْ وَثِقَ بِهِ ، ثُمَّ قَاْلَ : لَوْ أَعْطَيْنَاْكَ كُلَّ مَاْ نَمْلِكُ مَاْ نَرْجُوْ مِنْكَ خَيْرًا ، فَمَاْ نَرَىْ إِلَّاْ قَتْلَكَ ، فَقُتِلَ شَرَّ قِتْلَةٍ ، وَصَدَقَ اَللهُ U ، } وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيّئ إِلاَّ بِأَهْلِهِ { .
فَلْنَتَّقِ اَللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اَللهِ ـ وَلْنَحْذَرْ اَلْخَوَنَةَ وَاَلْمُنَاْفِقِيْنَ ، وَلْنَتَذَكَّرْ قَوْلَ اَلْنَّبِيِ e ، فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ : (( سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ )) ، قِيلَ : وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قَالَ e : (( الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ )) ، وَفِيْ رِوَاْيَةٍ : (( اَلْسَّفِيْهُ يَتَكَلَّمُ فِيْ أَمْرِ اَلْعَاْمَّةِ )).
اَسْأَلُ اَللهَ U أَنْ يَجْعَلَنِيْ وَإِيَّاْكُمْ مِنَ اَلَّذِيْنَ يَسْتَمِعُوْنَ اَلْقَوْلَ فَيَتَّبِعُوْنَ أَحْسَنَهُ ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ . أَلَاْ وَصَلُّوْا عَلَىْ اَلْبَشِيْرِ اَلْنَّذِيْرِ ، وَاَلْسِّرَاْجِ اَلْمُنِيْرِ ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اَلْلَّطِيْفُ اَلْخَبِيْرُ ، فَقَاْلَ جَلَّ مِنْ قَاْئِلٍ عَلِيْمَاً : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ e : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )) فَاَلْلَّهُمَّ صَلِيْ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَاْرَكْ عَلَىْ نَبِيِّنَاْ مُحَمَّدٍ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ أَجْمَعِيْنَ ، وَاَرْضِ اَلْلَّهُمَّ عَنِ اَلْتَّاْبِعِيْنَ وَتَاْبِعِيْ اَلْتَّاْبِعِيْنَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَاْنٍ إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ ، وَعَنَّاْ مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ وَجُوْدِكَ وَرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْن . اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ نَصْرَ اَلْإِسْلَاْمِ وَعِزَّ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ أَعِزَّ اَلْإِسْلَاْمَ وَاَنْصُرَ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَاَحْمِيْ حَوْزَةَ اَلْدِّيْنَ ، وَاَجْعَلْ بَلَدَنَاْ آمِنَاً مُطْمَئِنَاً وَسَاْئِرَ بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ .
اَلْلَّهُمَّ عَجِّلْ بِنَصْرِ جُنُوْدِنَاْ اَلْمُجَاْهِدِيْنَ ، وَاَحْفِظْهُمْ بِحِفْظِكَ اَلْمَكِيْن ، وَرُدَّهُمْ إِلَىْ ذَوِيْهِمْ سَاْلِمِيْنَ غَاْنِمِيْنَ مُنْتَصِرِيْنَ ، وَاَهْزِمْ اَلْحُوْثِيِّيْنَ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنَ اَلْخَاْئِنِيْنَ ، وَاَجْعَلْ دَاْئِرَةَ اَلْسَّوْءِ عَلَىْ اَلْصَّفَوُيِّيْنَ اَلْحَاْقِدِيْنَ ، يَاْقَوُيَ يَاْ عَزِيْزَ . اللّهُمّ أَنْتَ اللّهُ لَا إلَهَ إلّا أَنْتَ ، تَفْعَلُ مَاْ تَشَاْءُ وَمَاْ تُرِيدُ ، وَأَنْتَ اَلْغَنِيُّ اَلْحَمِيْدُ ، وَنَحْنُ اَلْفُقَرَاءُ وَاَلْعَبِيْدُ ، اَلْلّهُمّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَلَاْ تَجْعَلْنَاْ مِنْ اَلْقَاْنِطِيْنَ ،اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيعًا طَبَقًا غَدَقًا غَيْرَ رَائِثٍ ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ ، اللّهُمّ أَغِثْنَاْ ، اللّهُمّ أَغِثْنَاْ ، اللّهُمّ أَغِثْنَاْ .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَاْدَ اَللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .