عبيد الطوياوي
02-04-2016, 02:02 PM
https://www.youtube.com/watch?v=X4w27IzdrYU&feature=youtube_gdata
َلْإِخْلَاْصُ أَوْ اَلْإِفْلَاْس
اَلْحَمْدُ للهِ ، ذَيِ اَلْعَرْشِ اَلْمَجِيْدِ ، اِلْفَعَّاْلِ لِمَاْ يُرِيْد ، اَلْقَاْئِلِ فِيْ كِتَاْبِهِ : مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ . أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ ، لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ . وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
تَقْوَىْ اَللهِ ، وَصِيَتُهُ لَكُمْ وَلِمَنْ كَاْنَ قَبْلَكُمْ ، يَقُوْلُ مِنْ قَاْئِلٍ : وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ . فَاَتَّقُوْا اَللهَ عِبَاْدَ اَللهِ ، جَعَلَنِيْ اَللهُ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُتَّقِيْن .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
إِخْلَاْصُ اَلْعَمَلِ ، وَكَوْنُهُ لِلهِ ، أَمْرٌ مَطْلُوْبٌ شَرْعَاً ، أَمَرَ بِهِ ـ سُبْحَاْنَهُ ـ فِيْ كِتَاْبِهِ ، وَحَثَّ عَلَيْهِ نَبِيُّهُ فِيْ سُنَّتِهِ ، يَقُوْلُ : وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ، أَيْ تَكُوْنُ عِبَاْدَتُهُمْ خَاْلِصَةً لِوَجْهِهِ ، وَيَقُوْلُ أَيْضَاً : الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ، وَاَلْعَمَلُ اَلْحَسَنُ : هُوَ اَلْخَاْلِصُ للهِ سُبْحَاْنَهُ ، اَلْمُوَاْفِقُ لِسُنَّةِ نَبِيِّهِ .
فَإِذَاْ كَاْنَ اَلْعَمَلُ كَذَلِكَ ـ خَاْلَصَاً للهِ ، وَعَلَىْ طَرِيْقَةِ اَلْنَّبِيْ ـ فَأَنَّ لَهُ فَوَاْئِدُ عَظِيْمَةٌ ، وَمَنَاْفِعُ لَاْ تُحْصَىْ فِيْ اَلْدُّنْيَاْ وَاَلْآخِرَةِ ، مِنْهَاْ قَبُوْلُ أَعْمَاْلِ اَلْعَبْدِ وَأَقْوَاْلِهِ . وَمِنْهَاْ رَفْعُ مَنْزَلَتِهِ ، وَتَحْقِيْقُ طُمَأْنِيْنَتِهِ وَسَعَاْدِتِهِ . وَمَنْ أَهْمِهَاْ مَغْفِرَةُ ذُنُوْبِ اَلْمُخْلِصِ وَدُخُوْلِهِ اَلْجَنَّة ، يَقُوْلُ اَلْنَّبِيُ فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ : (( أَنَّ اَمْرَأَةً بَغِيًّا )) أَيْ زَاْنِيَة ، (( رَأَتْ كَلْبًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ ، يُطِيفُ بِبِئْرٍ، قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنْ الْعَطَشِ ، فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا )) أَيْ أَخْرَجَتْ لَهُ اَلْمَاءَ بِخُفِّهَاْ مِنَ اَلْبِئْرِ (( فَغُفِرَ لَهَاْ )) أَيْ نَجَتْ مِنَ اَلْعَذَاْبِ وَأُدْخِلَتْ اَلْجَنَّة .
فَإِخْلَاْصُ اَلْعَبْدِ عَمَلَهُ للهِ ، لَهُ شَأْنٌ عَظِيْمٌ ، وَمِنْ أَهْمِ اَلْمُهِمَّاْتِ ، اَلَّتِيْ يَجِبُ عَلَىْ اَلْمُسْلِمِ ، أَنْ يُحَقِّقَهَاْ فِيْ حَيَاْتِهِ ، وَمِنْ أَوْجَبِ اَلْوَاْجِبَاْتِ ، اَلَّتِيْ يَنْبَغِيْ أَنْ لَاْ يَغْفَلَ عَنْهَاْ فِيْ حَرَكَاْتِهِ وَسَكَنَاْتِهِ ، لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ، فَهُوَ كَمَاْ قَاْلَ اِبْنُ اَلْقَيِّمِ ـ رَحِمَهُ اَللهُ ـ : كَاْلمُسَاْفِرِ ، يَمْلأُ جِرَاْبَهُ رَمْلاً يَنْقُلُهُ وَلَاْ يَنْفَعُهُ . فَاَلْعَمَلُ ـ مَهْمَاْ كَاْنَتْ قِيْمَتُهُ ـ إِذَاْ فَقَدَ اَلْإِخَلَاْصَ ، فَأَنَّهُ لَاْ فَاْئِدَةَ فِيْهِ ، وَلَاْ ثَمَرَةَ لَهُ ، وَلَنْ يَكُوْنَ مَقُبُوْلَاً عَنْدَ اَللهِ جَلَّ جَلَاْلُهُ . فَفِيْ اَلْحَدَيْثِ اَلْحَسَنِ اَلْصَّحِيْحِ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ، فَقَالَ : أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ، مَالَهُ؟ أي يريد الثواب من الله والذكر من الناس ! مَاْلَهُ ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : (( لَا شَيْءَ لَهُ )) ، فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ : (( لَا شَيْءَ لَهُ )) ، ثُمَّ قَالَ : (( إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا ، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ )) . بَلْ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ إِذَاْ فُقِدَ اَلْإِخْلَاْصُ مِنَ اَلْعَمَلِ ، فَأَنَّ مَصِيْرَ عَاْمِلِهِ إِلَىْ اَلْنَّاْرِ وَبِئْسَ اَلْقَرَاْرِ ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقُولُ : (( إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ ، قَالَ : كَذَبْتَ ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ : جَرِيءٌ ، فَقَدْ قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ . وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ ، وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ ، قَالَ : كَذَبْتَ ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ : عَالِمٌ ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ : هُوَ قَارِئٌ ، فَقَدْ قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ ، قَالَ : كَذَبْتَ ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ : هُوَ جَوَادٌ ، فَقَدْ قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ )) . أَرَأَيْتُمْ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ أَهَمِّيَةَ اَلْإِخْلَاْصِ ، وَخَطَرَ فَقْدِهِ ، وَعَدَمَ تَحْقِيْقِهِ ، مُجَاْهِدٌ ، وَعَاْلِمٌ قَاْرِئٌ لِلْقُرْآنِ ، وَمُنْفِقٌ جَوَاْدٌ ، أَوْلُ مَنْ تُسَعَّرُ بِهِمُ اَلْنَّاْرُ يَوْمَ اَلْقِيَاْمَةِ ، لِأَنَّهُمْ فَقَدُوْا اَلْإِخْلَاْصَ ، لِأَنَّهُمْ عَمِلُوْا هَذَهِ اَلْأَعْمَاْلَ اَلْعَظِيْمَةَ اَلْجَلِيْلَةَ مِنْ أَجْلِ ثَنَاْءِ اَلْنَّاْسِ وَمَدْحِهِمْ ، اَلْمُجَاْهِدُ لِيَقُوْلَ اَلْنَّاْسُ عَنْهُ بَطَلٌ شُجَاْعٌ ، وَاَلْعَاْلِمُ اَلْقَاْرِئُ ، لِيَقُوْلَ عَنْهُ اَلْنَّاْسُ اَلْشَّيْخُ اَلْقَاْرِئُ فُلَاْن ، وَاَلْمُنْفِقُ لِيُقَاْلَ اَلْطَّيِّبُ اَلْجَوَاْدُ ، فَقَاْلَ اَلْنَّاْسُ ذَلِكَ ، وَتَحَقَّقَ لِكُلِّ وَاْحِدٍ مِنْهُمْ مَاْ أَرَاْدَ ، فَهُمْ لَمْ يُرِيْدُوْا بِأَعْمَاْلِهِمْ وَجْهَ اَللهِ ، أَعْمَاْلُهُمْ لَمْ تَكُنْ خَاْلِصَةً ، فَقَدُوْا اِلْإِخْلَاْصَ ، فَاَلْنَّاْرُ أَوْلَىْ بِهِمْ ، وَاَلْعِيَاْذُ بِاَللهِ . وَلَكِنْ تَأَمَّلُوْا : مَاْذَاْ تُثْمِرُ اَلْأَعْمَاْلُ اَلْخَاْلِصَةُ لِوَجْهِ اَللهِ ! فِيْ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ ، عَنْ عَبْدِ الْلَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : سُمِعَتْ رَسُوْلُ الْلَّهِ يَقُوْلُ : (( انْطَلِقْ ثَلَاثَةٌ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، حَتَّىَ آُوَاهُمُ الْمَبِيتُ إِلَىَ غَارٍ فَدَخَلُوْهُ ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ ، فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ ؛ فَقَالُوَا : إِنَّهُ لَا يُنْجِيْكُمْ مِنْ هَذِهِ الْصَّخْرَةِ ، إِلَّا أَنْ تَدْعُوَا الْلَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ ، قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ : الْلَّهُمَّ كَانَ لِىَ أَبَوَانِ ، شَيْخَانِ كَبِيْرَانِ ، وَ كُنْتُ لَا أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلا وَلَا مَالا . فَنَأَى بِيَ طَلَبُ الْشَّجَرِ فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّىَ نَامَا ، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوْقَهُمَا ، فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوْقِظَهُمَا ، وَ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلا أَوْ مَالا ، فَلَبِثْتَ - وَ الْقَدَحِ عَلَىَ يَدَيْ - أَنْتَظِرُ اسْتِيْقَاظَهُمَا حَتَّىَ بَرَقَ الْفَجْرُ ، وَ الْصَّبِيَّةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ فَاسْتَيْقَظَا ، فَشَرِبَا غَبُوْقَهُمَا . الْلَّهُمَّ إِنَّ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَ جْهِكَ ، فَفَرَّجَ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيْهِ مِنْ هَذِهِ الْصَّخْرَةِ . فَانْفَرَجَتْ شَيْئا لَّا يَسْتَطِيْعُوْنَ الْخُرُوْجَ مِنْهُ .
قَالَ الْآَخَرُ : الْلَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمٍّ ، كَانَتْ أَحَبَّ الْنَّاسِ إِلَيَّ - وَ فِيْ رِوَايَةٍ : كُنْتُ أُحِبُّهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الْرِّجَالُ الْنِّسَاءَ . فَارَدْتُهَا عَلَىَ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّيْ حَتَّىَ الْمّت بِهَا سَنَةٌ مِنْ الْسِّنِيْنَ ، فَجَاءَتْنِى فَأَعْطَيْتُهِا عِشْرِيْنَ وَمِائَةَ دِيْنا ، عَلَىَ أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِىْ وَ بَيْنَ نَفْسِهَا ففَلَعَتِ ، حَتَّىَ إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا - وَ فِيْ رِوَايَةٍ : فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا - قَالَتْ : اتَّقِ الْلَّهَ ، وَلَا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ ، فَانْصَرَفَتْ عَنْهَا وَ هِيَ أَحَبُّ الْنَّاسِ إِلَيَّ ، وَ تَرَكْتُ الْذَّهَبَ الَّذِيْ أَعْطَيْتُهَا . الْلَّهُمَّ إِنَّ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَ جْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيْهِ . فَانْفَرَجَتْ الْصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيْعُوْنَ الْخُرُوْجَ مِنْهَا .
وَقَالَ الْثَّالِثُ : الْلَّهُمَّ اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ ، وَ أَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، تَرَكَ الَّذِيْ لَهُ وَ ذَهَبَ فَثَمَّرَتُ أَجْرَهُ حَتَّىَ كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ ، فَجَائَنّىْ بَعْدَ حِيْنٍ ، فَقَالَ : يَا عَبْدَ الْلَّهِ ! أُدّ إِلَيَّ أَجْرِيَ ، فَقُلْتُ : كُلُّ مَا تَرَىَ مِنْ أَجْرِكَ مِنْ الْإِبِلِ وَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ وَ الْرَّقِيْقِ !! فَقَالَ : يَا عَبْدَ الْلَّهِ ! لَا تَسْتَهْزِئُ بِيَ ! فَقُلْتُ : لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ ، فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئا، الْلَّهُمَّ إِنَّ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيْهِ ، فَانْفَرَجَتْ الْصَّخْرَةُ ، فَخَرَجُوْا يَمْشُوْنَ )) .اِنْفَرَجَتْ اَلْصَّخْرَةُ ، بِأَمْرٍ مِنَ اَللهِ ، بِسَبَبِ اَلْإِخْلَاْصِ ، وَهَذَاْ مِمَّاْ يَدِلُّ عَلَىْ أَهَمِيَّتِهِ ، وَعِظَمِ شَأْنِهِ ، وَشِدَّةِ تَأْثِيْرِهِ ، وَأَثْرِهِ فِيْ حَيَاْةِ اَلْمُسْلِمِ ، جَعَلَنِيْ اَللهُ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُخْلِصِيْنَ ، أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَاْ ، وَاَسْتَغْفِرُ اَللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرُ اَلْرَّحِيْمُ .
الخطبة الثانية
اَلْحَمْدُ لِلهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَاَمْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ ، صَلَّىْ اَللهُ عَلِيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
مِنْ اَلْثِّمَاْرِ اَلْأَكِيْدَةِ اَلْنَّاْفِعَةِ لِلْإِخْلَاْصِ ، وَيَغْفَلُ عَنْهَاْ كَثِيْرٌ مِنَ اَلْنَّاْسِ ، نَفْعُهُ لِلْمُخْلِصِ عَنْدَ مُحَنِهِ وَشَدَاْئِدِهِ ، وَاَلْدَّلِيْلُ عَلَىْ ذَلِكَ ؛ قِصَّةُ اَلْثَّلَاْثَةِ اَلْسَّاْبِقَةِ ، اَلَّذِيْنَ آوَاْهُمُ اَلْمَبِيْتُ إِلَىْ اَلْغَاْرِ ، وَاَنْحَدَرَتْ اَلْصَّخْرَةُ مِنْ اَلْجَبَلِ ، وَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ غَاْرَهُمْ ، فَأَنْجَاْهُمُ اَللهُ مِنْهَاْ ، وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ مَأْزَقِهِمْ ، بِسَبَبِ أَعْمَاْلِهِمْ اَلْصَّاْلِحَةِ اَلْخَاْلِصَةِ لَوْجِهِ اَللهِ سُبْحَاْنَهُ ، اَلْأَوْلُ بِبِرِّهِ لِوَاْلَدِيْهِ ، وَاَلْثَّاْنِيْ بِعَفَاْفَهِ عَنْ اَلْزِّنَىْ ، وَاَلْثَّاْلِثُ بِأَمَاْنَتِهِ وَحِفْظِهِ لِحُقُوْقِ اَلْنَّاْسِ ، وَلَذَلِكَ يَقُوْلُ فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ : (( مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَبْءٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ )) أَيْ إِعْمَلْ عَمَلَاً خَاْلِصَاً لَوْجْهِ اللهِ ، لَاْ يَعْلَمُ بِهِ غَيْرُهُ ، يَنْفَعُكَ فِيْ دُنْيَاْكَ وَآخِرَتِكَ .
يَقُوْلُ أَحَدُهُمْ : خَرَجْتُ لَيْلَاً مِنْ مَنْزِلِيْ ، فَرَأَيْتُ رَجُلَاً وَاْقِفَاً عَلَىْ جَاْنِبِ اَلْطَّرِيْقِ ، يُؤَشِّرُ لِلْسَّيَاْرَاْتِ اَلْمَاْرَةِ ، وَكَاْنَتْ لَيْلَةٌ مَطْيْرَةً بَاْرِدَةً ، فَوَقَفْتُ عِنْدَهُ لِيَرْكَبَ ، فَرَكِبَ ، وَكُنْتُ أَضُّنَهُ يُرِيْدُ أَنْ أُوْصِلَهُ مَكَاْنَاً قَرِيْبَاً ، فَسَأَلْتُهُ : إِلَىْ أَيْنَ هُوَ ذَاْهِبٌ ، فَقَاْلَ : أُرِيْدُ مُحَاْفَظَةَ اَلْغَزَاْلَةِ ، وَكَمَاْ تَعْلَمُوْنَ : اَلْغَزَاْلَةُ تَبْعُدُ حَوَاْلِيْ مِائَةَ كَيْلُوْ مِتْرٍ تَقْرِيْبَاً ، فَقُلْتُ فِيْ نَفْسِيْ : لِعَلِّيْ أَحْتَسِبُ أَجْرَهُ فِيْ هَذِهِ اَلْلَّيْلَةِ ، شَدِيْدَةُ اَلْبُرُوْدَةِ كَثِيْرَةُ اَلْمَطَرِ ، فَقُمْتُ بِتَوْصِيْلِهِ لِمَاْ أَرَاْدَ ، وَمَرَّتِ اَلْأَيَّاْمُ ، وَمَرَرْتُ بِظَرْفٍ لَاْ يَعْلَمُ بِمَدَىْ خُطُوْرَتِهِ إِلَّاْ اَللهُ ، فَتَذَكَّرْتُ حَدِيْثَ اَلْثَّلَاْثَةِ ، أَصْحَاْبِ اَلْغَاْرِ ، وَأَخَذْتُ أُفَكِّرُ وَأُفَتِّشُ فِيْ أَعْمَاْلِيْ اَلْخَاْلِصَةِ ، فَلَمْ أَجِدْ إِلَّاْ تَفْرِيْجَ كُرْبَةِ ذَلِكَ اَلْرُّجْلِ ، فَدَعَوْتُ اَللهَ بِذَلِكَ ، كَمَاْ فَعَلَ اَلْثَّلَاْثَةُ ، فَاْنْفَرَجَتْ كُرْبِتِيْ ، وَمَرَّتْ بِسَلَاْمٍ بِفَضْلِ اَللهِ تَعَاْلَىْ .
فَاَتَّقُوْا اَللهَ عِبَاْدَ اَللهِ ، وَاَجْعَلُوْا أَعْمَاْلَكُمْ خَاْلِصَةً لِلهِ ، وَكَمَاْ قَاْلَ اَلْنَّبِيُ : (( مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَبْءٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ )) .
أَلَاْ وَصَلُّوْا عَلَىْ اَلْبَشِيْرِ اَلْنَّذِيْرِ ، وَاَلْسِّرَاْجِ اَلْمُنِيْرِ ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اَلْلَّطِيْفُ اَلْخَبِيْرُ ، فَقَاْلَ جَلَّ مِنْ قَاْئِلٍ عَلِيْمَاً : إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )) فَاَلْلَّهُمَّ صَلِيْ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَاْرَكْ عَلَىْ نَبِيِّنَاْ مُحَمَّدٍ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ أَجْمَعِيْنَ ، وَاَرْضِ اَلْلَّهُمَّ عَنِ اَلْتَّاْبِعِيْنَ وَتَاْبِعِيْ اَلْتَّاْبِعِيْنَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَاْنٍ إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ ، وَعَنَّاْ مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ وَجُوْدِكَ وَرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْن . اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ نَصْرَ اَلْإِسْلَاْمِ وَعِزَّ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ أَعِزَّ اَلْإِسْلَاْمَ وَاَنْصُرَ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَاَحْمِيْ حَوْزَةَ اَلْدِّيْنَ ، وَاَجْعَلْ بَلَدَنَاْ آمِنَاً مُطْمَئِنَاً وَسَاْئِرَ بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ .
اَلْلَّهُمَّ فِيْ هَذَاْ اَلْيَوْمِ اَلْعَظِيْمِ ، نَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ دَاْئِرَةَ اَلْسَّوْءِ عَلَىْ اَلْصَّفَوُيِّيْنَ اَلْحَاْقِدِيْنَ ، وَكُلِّ مَنْ نَصَبَ اَلْعِدَاْءَ لِعِبَاْدِكَ اَلْصَّاْلِحِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ عَلِيْكَ بِمَنْ يَكِيْدُ لِبِلَاْدِنَاْ ، وَيَعْمَلُ عَلَىْ تَفْرِيْقِ كَلِمَتِنَاْ ، وَتَمْزِيْقِ وُحْدَتِنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ مِنْ أَرَاْدَنَاْ بِسُوْءٍ ، فَاَلْلَّهُمَّ أَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ ، وَاَجْعَلْ كَيْدَهُ فِيْ نَحْرِهِ ، وَتَدْبِيْرَهُ سَبَبَاً لِتَدْمِيْرِهِ يَاْقَوُيَ يَاْ عَزِيْزَ .
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .
عِبَاْدَ اَللهِ :
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
َلْإِخْلَاْصُ أَوْ اَلْإِفْلَاْس
اَلْحَمْدُ للهِ ، ذَيِ اَلْعَرْشِ اَلْمَجِيْدِ ، اِلْفَعَّاْلِ لِمَاْ يُرِيْد ، اَلْقَاْئِلِ فِيْ كِتَاْبِهِ : مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ . أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ ، لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ . وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
تَقْوَىْ اَللهِ ، وَصِيَتُهُ لَكُمْ وَلِمَنْ كَاْنَ قَبْلَكُمْ ، يَقُوْلُ مِنْ قَاْئِلٍ : وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ . فَاَتَّقُوْا اَللهَ عِبَاْدَ اَللهِ ، جَعَلَنِيْ اَللهُ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُتَّقِيْن .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
إِخْلَاْصُ اَلْعَمَلِ ، وَكَوْنُهُ لِلهِ ، أَمْرٌ مَطْلُوْبٌ شَرْعَاً ، أَمَرَ بِهِ ـ سُبْحَاْنَهُ ـ فِيْ كِتَاْبِهِ ، وَحَثَّ عَلَيْهِ نَبِيُّهُ فِيْ سُنَّتِهِ ، يَقُوْلُ : وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ، أَيْ تَكُوْنُ عِبَاْدَتُهُمْ خَاْلِصَةً لِوَجْهِهِ ، وَيَقُوْلُ أَيْضَاً : الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ، وَاَلْعَمَلُ اَلْحَسَنُ : هُوَ اَلْخَاْلِصُ للهِ سُبْحَاْنَهُ ، اَلْمُوَاْفِقُ لِسُنَّةِ نَبِيِّهِ .
فَإِذَاْ كَاْنَ اَلْعَمَلُ كَذَلِكَ ـ خَاْلَصَاً للهِ ، وَعَلَىْ طَرِيْقَةِ اَلْنَّبِيْ ـ فَأَنَّ لَهُ فَوَاْئِدُ عَظِيْمَةٌ ، وَمَنَاْفِعُ لَاْ تُحْصَىْ فِيْ اَلْدُّنْيَاْ وَاَلْآخِرَةِ ، مِنْهَاْ قَبُوْلُ أَعْمَاْلِ اَلْعَبْدِ وَأَقْوَاْلِهِ . وَمِنْهَاْ رَفْعُ مَنْزَلَتِهِ ، وَتَحْقِيْقُ طُمَأْنِيْنَتِهِ وَسَعَاْدِتِهِ . وَمَنْ أَهْمِهَاْ مَغْفِرَةُ ذُنُوْبِ اَلْمُخْلِصِ وَدُخُوْلِهِ اَلْجَنَّة ، يَقُوْلُ اَلْنَّبِيُ فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ : (( أَنَّ اَمْرَأَةً بَغِيًّا )) أَيْ زَاْنِيَة ، (( رَأَتْ كَلْبًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ ، يُطِيفُ بِبِئْرٍ، قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنْ الْعَطَشِ ، فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا )) أَيْ أَخْرَجَتْ لَهُ اَلْمَاءَ بِخُفِّهَاْ مِنَ اَلْبِئْرِ (( فَغُفِرَ لَهَاْ )) أَيْ نَجَتْ مِنَ اَلْعَذَاْبِ وَأُدْخِلَتْ اَلْجَنَّة .
فَإِخْلَاْصُ اَلْعَبْدِ عَمَلَهُ للهِ ، لَهُ شَأْنٌ عَظِيْمٌ ، وَمِنْ أَهْمِ اَلْمُهِمَّاْتِ ، اَلَّتِيْ يَجِبُ عَلَىْ اَلْمُسْلِمِ ، أَنْ يُحَقِّقَهَاْ فِيْ حَيَاْتِهِ ، وَمِنْ أَوْجَبِ اَلْوَاْجِبَاْتِ ، اَلَّتِيْ يَنْبَغِيْ أَنْ لَاْ يَغْفَلَ عَنْهَاْ فِيْ حَرَكَاْتِهِ وَسَكَنَاْتِهِ ، لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ، فَهُوَ كَمَاْ قَاْلَ اِبْنُ اَلْقَيِّمِ ـ رَحِمَهُ اَللهُ ـ : كَاْلمُسَاْفِرِ ، يَمْلأُ جِرَاْبَهُ رَمْلاً يَنْقُلُهُ وَلَاْ يَنْفَعُهُ . فَاَلْعَمَلُ ـ مَهْمَاْ كَاْنَتْ قِيْمَتُهُ ـ إِذَاْ فَقَدَ اَلْإِخَلَاْصَ ، فَأَنَّهُ لَاْ فَاْئِدَةَ فِيْهِ ، وَلَاْ ثَمَرَةَ لَهُ ، وَلَنْ يَكُوْنَ مَقُبُوْلَاً عَنْدَ اَللهِ جَلَّ جَلَاْلُهُ . فَفِيْ اَلْحَدَيْثِ اَلْحَسَنِ اَلْصَّحِيْحِ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ، فَقَالَ : أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ، مَالَهُ؟ أي يريد الثواب من الله والذكر من الناس ! مَاْلَهُ ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : (( لَا شَيْءَ لَهُ )) ، فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ : (( لَا شَيْءَ لَهُ )) ، ثُمَّ قَالَ : (( إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا ، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ )) . بَلْ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ إِذَاْ فُقِدَ اَلْإِخْلَاْصُ مِنَ اَلْعَمَلِ ، فَأَنَّ مَصِيْرَ عَاْمِلِهِ إِلَىْ اَلْنَّاْرِ وَبِئْسَ اَلْقَرَاْرِ ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقُولُ : (( إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ ، قَالَ : كَذَبْتَ ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ : جَرِيءٌ ، فَقَدْ قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ . وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ ، وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ ، قَالَ : كَذَبْتَ ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ : عَالِمٌ ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ : هُوَ قَارِئٌ ، فَقَدْ قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ ، قَالَ : كَذَبْتَ ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ : هُوَ جَوَادٌ ، فَقَدْ قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ )) . أَرَأَيْتُمْ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ أَهَمِّيَةَ اَلْإِخْلَاْصِ ، وَخَطَرَ فَقْدِهِ ، وَعَدَمَ تَحْقِيْقِهِ ، مُجَاْهِدٌ ، وَعَاْلِمٌ قَاْرِئٌ لِلْقُرْآنِ ، وَمُنْفِقٌ جَوَاْدٌ ، أَوْلُ مَنْ تُسَعَّرُ بِهِمُ اَلْنَّاْرُ يَوْمَ اَلْقِيَاْمَةِ ، لِأَنَّهُمْ فَقَدُوْا اَلْإِخْلَاْصَ ، لِأَنَّهُمْ عَمِلُوْا هَذَهِ اَلْأَعْمَاْلَ اَلْعَظِيْمَةَ اَلْجَلِيْلَةَ مِنْ أَجْلِ ثَنَاْءِ اَلْنَّاْسِ وَمَدْحِهِمْ ، اَلْمُجَاْهِدُ لِيَقُوْلَ اَلْنَّاْسُ عَنْهُ بَطَلٌ شُجَاْعٌ ، وَاَلْعَاْلِمُ اَلْقَاْرِئُ ، لِيَقُوْلَ عَنْهُ اَلْنَّاْسُ اَلْشَّيْخُ اَلْقَاْرِئُ فُلَاْن ، وَاَلْمُنْفِقُ لِيُقَاْلَ اَلْطَّيِّبُ اَلْجَوَاْدُ ، فَقَاْلَ اَلْنَّاْسُ ذَلِكَ ، وَتَحَقَّقَ لِكُلِّ وَاْحِدٍ مِنْهُمْ مَاْ أَرَاْدَ ، فَهُمْ لَمْ يُرِيْدُوْا بِأَعْمَاْلِهِمْ وَجْهَ اَللهِ ، أَعْمَاْلُهُمْ لَمْ تَكُنْ خَاْلِصَةً ، فَقَدُوْا اِلْإِخْلَاْصَ ، فَاَلْنَّاْرُ أَوْلَىْ بِهِمْ ، وَاَلْعِيَاْذُ بِاَللهِ . وَلَكِنْ تَأَمَّلُوْا : مَاْذَاْ تُثْمِرُ اَلْأَعْمَاْلُ اَلْخَاْلِصَةُ لِوَجْهِ اَللهِ ! فِيْ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ ، عَنْ عَبْدِ الْلَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : سُمِعَتْ رَسُوْلُ الْلَّهِ يَقُوْلُ : (( انْطَلِقْ ثَلَاثَةٌ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، حَتَّىَ آُوَاهُمُ الْمَبِيتُ إِلَىَ غَارٍ فَدَخَلُوْهُ ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ ، فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ ؛ فَقَالُوَا : إِنَّهُ لَا يُنْجِيْكُمْ مِنْ هَذِهِ الْصَّخْرَةِ ، إِلَّا أَنْ تَدْعُوَا الْلَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ ، قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ : الْلَّهُمَّ كَانَ لِىَ أَبَوَانِ ، شَيْخَانِ كَبِيْرَانِ ، وَ كُنْتُ لَا أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلا وَلَا مَالا . فَنَأَى بِيَ طَلَبُ الْشَّجَرِ فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّىَ نَامَا ، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوْقَهُمَا ، فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوْقِظَهُمَا ، وَ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلا أَوْ مَالا ، فَلَبِثْتَ - وَ الْقَدَحِ عَلَىَ يَدَيْ - أَنْتَظِرُ اسْتِيْقَاظَهُمَا حَتَّىَ بَرَقَ الْفَجْرُ ، وَ الْصَّبِيَّةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ فَاسْتَيْقَظَا ، فَشَرِبَا غَبُوْقَهُمَا . الْلَّهُمَّ إِنَّ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَ جْهِكَ ، فَفَرَّجَ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيْهِ مِنْ هَذِهِ الْصَّخْرَةِ . فَانْفَرَجَتْ شَيْئا لَّا يَسْتَطِيْعُوْنَ الْخُرُوْجَ مِنْهُ .
قَالَ الْآَخَرُ : الْلَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمٍّ ، كَانَتْ أَحَبَّ الْنَّاسِ إِلَيَّ - وَ فِيْ رِوَايَةٍ : كُنْتُ أُحِبُّهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الْرِّجَالُ الْنِّسَاءَ . فَارَدْتُهَا عَلَىَ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّيْ حَتَّىَ الْمّت بِهَا سَنَةٌ مِنْ الْسِّنِيْنَ ، فَجَاءَتْنِى فَأَعْطَيْتُهِا عِشْرِيْنَ وَمِائَةَ دِيْنا ، عَلَىَ أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِىْ وَ بَيْنَ نَفْسِهَا ففَلَعَتِ ، حَتَّىَ إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا - وَ فِيْ رِوَايَةٍ : فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا - قَالَتْ : اتَّقِ الْلَّهَ ، وَلَا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ ، فَانْصَرَفَتْ عَنْهَا وَ هِيَ أَحَبُّ الْنَّاسِ إِلَيَّ ، وَ تَرَكْتُ الْذَّهَبَ الَّذِيْ أَعْطَيْتُهَا . الْلَّهُمَّ إِنَّ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَ جْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيْهِ . فَانْفَرَجَتْ الْصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيْعُوْنَ الْخُرُوْجَ مِنْهَا .
وَقَالَ الْثَّالِثُ : الْلَّهُمَّ اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ ، وَ أَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، تَرَكَ الَّذِيْ لَهُ وَ ذَهَبَ فَثَمَّرَتُ أَجْرَهُ حَتَّىَ كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ ، فَجَائَنّىْ بَعْدَ حِيْنٍ ، فَقَالَ : يَا عَبْدَ الْلَّهِ ! أُدّ إِلَيَّ أَجْرِيَ ، فَقُلْتُ : كُلُّ مَا تَرَىَ مِنْ أَجْرِكَ مِنْ الْإِبِلِ وَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ وَ الْرَّقِيْقِ !! فَقَالَ : يَا عَبْدَ الْلَّهِ ! لَا تَسْتَهْزِئُ بِيَ ! فَقُلْتُ : لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ ، فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئا، الْلَّهُمَّ إِنَّ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيْهِ ، فَانْفَرَجَتْ الْصَّخْرَةُ ، فَخَرَجُوْا يَمْشُوْنَ )) .اِنْفَرَجَتْ اَلْصَّخْرَةُ ، بِأَمْرٍ مِنَ اَللهِ ، بِسَبَبِ اَلْإِخْلَاْصِ ، وَهَذَاْ مِمَّاْ يَدِلُّ عَلَىْ أَهَمِيَّتِهِ ، وَعِظَمِ شَأْنِهِ ، وَشِدَّةِ تَأْثِيْرِهِ ، وَأَثْرِهِ فِيْ حَيَاْةِ اَلْمُسْلِمِ ، جَعَلَنِيْ اَللهُ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُخْلِصِيْنَ ، أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَاْ ، وَاَسْتَغْفِرُ اَللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرُ اَلْرَّحِيْمُ .
الخطبة الثانية
اَلْحَمْدُ لِلهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَاَمْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ ، صَلَّىْ اَللهُ عَلِيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
مِنْ اَلْثِّمَاْرِ اَلْأَكِيْدَةِ اَلْنَّاْفِعَةِ لِلْإِخْلَاْصِ ، وَيَغْفَلُ عَنْهَاْ كَثِيْرٌ مِنَ اَلْنَّاْسِ ، نَفْعُهُ لِلْمُخْلِصِ عَنْدَ مُحَنِهِ وَشَدَاْئِدِهِ ، وَاَلْدَّلِيْلُ عَلَىْ ذَلِكَ ؛ قِصَّةُ اَلْثَّلَاْثَةِ اَلْسَّاْبِقَةِ ، اَلَّذِيْنَ آوَاْهُمُ اَلْمَبِيْتُ إِلَىْ اَلْغَاْرِ ، وَاَنْحَدَرَتْ اَلْصَّخْرَةُ مِنْ اَلْجَبَلِ ، وَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ غَاْرَهُمْ ، فَأَنْجَاْهُمُ اَللهُ مِنْهَاْ ، وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ مَأْزَقِهِمْ ، بِسَبَبِ أَعْمَاْلِهِمْ اَلْصَّاْلِحَةِ اَلْخَاْلِصَةِ لَوْجِهِ اَللهِ سُبْحَاْنَهُ ، اَلْأَوْلُ بِبِرِّهِ لِوَاْلَدِيْهِ ، وَاَلْثَّاْنِيْ بِعَفَاْفَهِ عَنْ اَلْزِّنَىْ ، وَاَلْثَّاْلِثُ بِأَمَاْنَتِهِ وَحِفْظِهِ لِحُقُوْقِ اَلْنَّاْسِ ، وَلَذَلِكَ يَقُوْلُ فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ : (( مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَبْءٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ )) أَيْ إِعْمَلْ عَمَلَاً خَاْلِصَاً لَوْجْهِ اللهِ ، لَاْ يَعْلَمُ بِهِ غَيْرُهُ ، يَنْفَعُكَ فِيْ دُنْيَاْكَ وَآخِرَتِكَ .
يَقُوْلُ أَحَدُهُمْ : خَرَجْتُ لَيْلَاً مِنْ مَنْزِلِيْ ، فَرَأَيْتُ رَجُلَاً وَاْقِفَاً عَلَىْ جَاْنِبِ اَلْطَّرِيْقِ ، يُؤَشِّرُ لِلْسَّيَاْرَاْتِ اَلْمَاْرَةِ ، وَكَاْنَتْ لَيْلَةٌ مَطْيْرَةً بَاْرِدَةً ، فَوَقَفْتُ عِنْدَهُ لِيَرْكَبَ ، فَرَكِبَ ، وَكُنْتُ أَضُّنَهُ يُرِيْدُ أَنْ أُوْصِلَهُ مَكَاْنَاً قَرِيْبَاً ، فَسَأَلْتُهُ : إِلَىْ أَيْنَ هُوَ ذَاْهِبٌ ، فَقَاْلَ : أُرِيْدُ مُحَاْفَظَةَ اَلْغَزَاْلَةِ ، وَكَمَاْ تَعْلَمُوْنَ : اَلْغَزَاْلَةُ تَبْعُدُ حَوَاْلِيْ مِائَةَ كَيْلُوْ مِتْرٍ تَقْرِيْبَاً ، فَقُلْتُ فِيْ نَفْسِيْ : لِعَلِّيْ أَحْتَسِبُ أَجْرَهُ فِيْ هَذِهِ اَلْلَّيْلَةِ ، شَدِيْدَةُ اَلْبُرُوْدَةِ كَثِيْرَةُ اَلْمَطَرِ ، فَقُمْتُ بِتَوْصِيْلِهِ لِمَاْ أَرَاْدَ ، وَمَرَّتِ اَلْأَيَّاْمُ ، وَمَرَرْتُ بِظَرْفٍ لَاْ يَعْلَمُ بِمَدَىْ خُطُوْرَتِهِ إِلَّاْ اَللهُ ، فَتَذَكَّرْتُ حَدِيْثَ اَلْثَّلَاْثَةِ ، أَصْحَاْبِ اَلْغَاْرِ ، وَأَخَذْتُ أُفَكِّرُ وَأُفَتِّشُ فِيْ أَعْمَاْلِيْ اَلْخَاْلِصَةِ ، فَلَمْ أَجِدْ إِلَّاْ تَفْرِيْجَ كُرْبَةِ ذَلِكَ اَلْرُّجْلِ ، فَدَعَوْتُ اَللهَ بِذَلِكَ ، كَمَاْ فَعَلَ اَلْثَّلَاْثَةُ ، فَاْنْفَرَجَتْ كُرْبِتِيْ ، وَمَرَّتْ بِسَلَاْمٍ بِفَضْلِ اَللهِ تَعَاْلَىْ .
فَاَتَّقُوْا اَللهَ عِبَاْدَ اَللهِ ، وَاَجْعَلُوْا أَعْمَاْلَكُمْ خَاْلِصَةً لِلهِ ، وَكَمَاْ قَاْلَ اَلْنَّبِيُ : (( مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَبْءٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ )) .
أَلَاْ وَصَلُّوْا عَلَىْ اَلْبَشِيْرِ اَلْنَّذِيْرِ ، وَاَلْسِّرَاْجِ اَلْمُنِيْرِ ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اَلْلَّطِيْفُ اَلْخَبِيْرُ ، فَقَاْلَ جَلَّ مِنْ قَاْئِلٍ عَلِيْمَاً : إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )) فَاَلْلَّهُمَّ صَلِيْ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَاْرَكْ عَلَىْ نَبِيِّنَاْ مُحَمَّدٍ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ أَجْمَعِيْنَ ، وَاَرْضِ اَلْلَّهُمَّ عَنِ اَلْتَّاْبِعِيْنَ وَتَاْبِعِيْ اَلْتَّاْبِعِيْنَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَاْنٍ إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ ، وَعَنَّاْ مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ وَجُوْدِكَ وَرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْن . اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ نَصْرَ اَلْإِسْلَاْمِ وَعِزَّ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ أَعِزَّ اَلْإِسْلَاْمَ وَاَنْصُرَ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَاَحْمِيْ حَوْزَةَ اَلْدِّيْنَ ، وَاَجْعَلْ بَلَدَنَاْ آمِنَاً مُطْمَئِنَاً وَسَاْئِرَ بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ .
اَلْلَّهُمَّ فِيْ هَذَاْ اَلْيَوْمِ اَلْعَظِيْمِ ، نَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ دَاْئِرَةَ اَلْسَّوْءِ عَلَىْ اَلْصَّفَوُيِّيْنَ اَلْحَاْقِدِيْنَ ، وَكُلِّ مَنْ نَصَبَ اَلْعِدَاْءَ لِعِبَاْدِكَ اَلْصَّاْلِحِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ عَلِيْكَ بِمَنْ يَكِيْدُ لِبِلَاْدِنَاْ ، وَيَعْمَلُ عَلَىْ تَفْرِيْقِ كَلِمَتِنَاْ ، وَتَمْزِيْقِ وُحْدَتِنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ مِنْ أَرَاْدَنَاْ بِسُوْءٍ ، فَاَلْلَّهُمَّ أَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ ، وَاَجْعَلْ كَيْدَهُ فِيْ نَحْرِهِ ، وَتَدْبِيْرَهُ سَبَبَاً لِتَدْمِيْرِهِ يَاْقَوُيَ يَاْ عَزِيْزَ .
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .
عِبَاْدَ اَللهِ :
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .