عبيد الطوياوي
15-05-2016, 06:19 PM
https://www.youtube.com/watch?v=h0Q45fRvSJQ
بسم الله الرحمن الرحيم
اَلْدَّلِيْلُ لِمَعْرَفَةِ اَلْدَّخِيْلِ
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ، وَالْقَوِيِّ الْقَدِيرِ ، وَالسَّمِيعِ الْبَصِيرِ ، } لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ { ، أَحْمَدُهُ حَمْدًا يَلِيقُ بِكَرِيمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ ، } يَقْضِي بِالْحَقِّ ، وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ { ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحَدَهُ لَاْ شَرِيكَ لَهُ ، وَلَا نِدَّ وَلَا ضِدَّ وَلَا ظَهِير ، } لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيْلُهُ ، الْبَشِيرُ النَّذِيرُ ، وَالسِّرَاجُ الْمُنِيرُ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللَّهِ :
تَقْوَى اللَّهِ U ، هِيَ خَيْرُ زَادٍ يَتَزَوَّدُ بِهِ الْعَبْدُ فِي حَيَاتِهِ لِمَعَادِهِ ، وَهِيَ وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ ، يَقُولُ U مِنْ قَائِلٍ : } وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى { ، وَيَقُوْلُ أَيْضَاً : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { ، فَلْنَتَّقِ اَللَّهَ ـ أَحِبَّتِي فِي اَللَّهِ ـ جَعَلَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ :
إِتِّبَاعُ اَلدَّلِيلِ مِنْ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ ، أَوْ السَّنَةِ الْمُطَهِّرَةِ ، هُوَ مَا يُعْرَفُ بِهِ الْمُتَّبِعُ مِنْ الْمُبْتَدِعِ ، وَهُوَ مَا يُمَيِّزُ الْمُؤْمِنَ مِنْ الْمُنَافِقِ ، وَأَهْلَ الْهُدَىْ مِنْ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ ، وَلِذَلِكَ يَقُولُ U : } فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ ، وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { ، وَيَقُوْلُ أَيْضَاً : } وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ ، إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا ، أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا { .
فَعَدَمُ الْعَمَلِ بقول اللَّهِ U ، وَقول رسوله e ، فِيهِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ ، عَلَى ضَعْفِ الْإِيمَانِ ، وَبُرْهَانٌ بَيِّنٌ عَلَى الضَّلَالِ وَالِانْحِرَافِ ، عَنْ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِيْ ذَكَرَ U بِقَوْلِهِ : } وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ، وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ، ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ { .
وَمِمَّا بُلِينَا بِهِ ـ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ـ وُجُودُ دُعَاةٍ يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ قَوْلُ النَّبِيِّ e ، فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : (( عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا )) ، وَمِنْ بَيْنِ هَؤُلَاءِ الدُّعَاةِ ؛ الْخَوَارِجُ الَّذِينَ حَذَّرَ مِنْهُمْ النَّبِيُّ e ، لِخَطَرِهِمْ عَلَى وَحْدَةِ الْأُمَّةِ ، وَاتِّحَادِ الْكَلِمَةِ ، وَتَمَاسُكِ الْبِنَاءِ ، وَلَا أَبْلُغُ فِي التَّحْذِيرِ مِنْهُمْ ؛ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ e فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : (( لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ )) أَيٌّ اسْتَأْصَلَهُمْ وَلَا أُبْقِي لَهُمْ بَاقِيَةٌ . وَهَؤُلَاءِ الْخَوَارِجِ ـ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ـ نَسْتَطِيعُ مَعْرِفَتَهُمْ لِنُحَذِّرَهُمْ ، عِنْدَمَا نَضَعُهُمْ فِي مِيزَانِ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ ، الَّذِي يَتَمَيَّزُ مِنْ خِلَالِهِ الْمُتَّبَعُ مِنْ غَيْرِهِ .
وَمِنْ الْأَدِلَّةِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَاْ اَلْخَوَاْرِجُ ـ كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ ـ كَمَاْ أَخْبَرَ عَنْهُمُ اَلْنَّبِيُ e : عَدَمُ مَحَبَّتِهِمْ لِذِكْرِ أَوْ اِسْتِمَاْعِ ، مَاْ يَدُلُّ عَلَىْ بُطْلَاْنِ مَنْهَجِهِمْ ، وَاَنْحِرَاْفِ سُبُلِهِمْ ، وَفَسَاْدِ مَقَاْصِدِهِمْ ، وَمِنْ ذَلِكَ بَعْضُ اَلْأَحَاْدِيْثِ ، اَلَّتِيْ حَذَّرَ اَلْنَّبِيُ e خَلَاْلَهَاْ مِنْهُمْ ، مِنْهَاْ : اَلْحَدِيْثُ اَلَّذِيْ أَخْرَجَهُ أَبُوْ دَاْوُدَ ، وَاَبْنُ مَاْجَه ، وَاَلْتِّرْمِذِيُ ، حَدِيْثُ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ t ، وَاَلَّذِيْ فِيْهِ قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ e الصُّبْحَ ، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ ، وَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ ، فَأَوْصِنَا : فَقَالَ e : (( أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حبشيا ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي ، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَاْلَةٍ )) . فَهَذَا الْحَدِيثُ ـ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ـ يُحَذِّرُ مِنْ الْخُرُوْجِ عَلَىْ اَلْحَاكِمِ مَهْمَا كَاْنَ ، وَيَأْمُرُ بِالْتِزَامِ سَنَةِ النَّبِيِّ e ، وَسَنَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ : أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ـ وَيُحَذِّرُ مِنْ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ ، وَمِنْهَا الِاجْتِمَاعَاتُ السِّرِّيَّةُ ، وَالْوَلَاءُ لِغَيْرِ وَلِيِّ الْأَمْرِ ، وَالْمُظَاهَرَاتُ وَاَلْاِعْتِصَاْمَاْتُ وَاَلِاحْتِجَاْجَاْتُ ، وَتَوْقِيْعُ اَلْبَيَاْنَاْتِ وَغَيْرُ ذَلِكَ . فَهْمُ لَاْ يَتَطَرَّقُوْنَ لِهَذَاْ اَلْحَدِيْثِ ، لِأَنَّهُ يَنْسِفُ مَنْهَجَهُمْ ، وَيَكْشِفُ عَنْ سُوْءِ مَقَاْصِدِهِمْ . وَإِنْ ذُكِرَ لَهُمْ ، وَأُمِرُوْا بِاَلْصَّبْرِ عَلَى وُلَاْتِهِمْ ، قَالُوا : اَلْصَّبْرُ عَلَىْ اَلَّذِيْ يَحْكُمُ بِاَلْشَّرْعِ لَكِنْ يَتَجَاوَزُ ، أَمَّا مِنْ لَا يَهْتَدِي بِالشَّرْعِ ، وَ يَحْكُمُ بِهَوَاهُ ، فَلَا يَجْرِيْ عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ . وَهَذَا مِنْ كَذِبِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ ، وَلِيِّ بَعْضِ النُّصُوصِ لِتَخْدِمَ مَا يَدُورُ فِي عُقُولِهِمْ الْمَرِيضَةِ . وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا : قَوْلُ النَّبِيِّ e فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي لَا يُطِيقُونَهُ ، وَيَضَعُونَ الْعَرَاقِيلَ لِعَدَمِ الْعَمَلِ بِهِ ، اَلْحَدِيْثُ اَلْصَّحِيْحُ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ t عِنْدَمَاْ قَالَ : إِنَّ النَّاسَ كَانُوا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ e عَنْ الْخَيْرِ , وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ , مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي , فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ , فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ , فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ , قَالَ e : (( نَعَمْ ، فِتْنَةٌ وَشَرٌّ )) , قُلْتُ: فَمَا الْعِصْمَةُ مِنْ ذَلِكَ ؟ , قَالَ : (( السَّيْفُ )) قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ هَذَا السَّيْفِ بَقِيَّةٌ؟ قَالَ: (( يَا حُذَيْفَةُ , تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ , وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ , يَا حُذَيْفَةُ , تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ , يَا حُذَيْفَةُ , تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ )) , قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ , أَبَعْدَ هَذَا الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ : (( نَعَمْ , وَفِيهِ دَخَنٌ )) , فَقُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ : (( يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ , وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ )) . وَفِيْ رِوَاْيَةٍ : (( هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ ، وَجَمَاعَةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ فِيهَا أَوْ فِيهِمْ )) فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ , الْهُدْنَةُ عَلَى الدَّخَنِ , مَا هِيَ؟ , قَالَ : (( لَا تَرْجِعُ قُلُوبُ أَقْوَامٍ عَلَى الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ )) , فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , أَبَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ , قَالَ : (( نَعَمْ , فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ صَمَّاءُ ، عَلَيْهَا دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا )) , فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ صِفْهُمْ لَنَا , قَالَ : (( هُمْ رِجَالٌ مِنْ جِلْدَتِنَا , وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ، قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ )) , فَقُلْتُ: وَكَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ : (( إِنْ كَانَ للهِ خَلِيفَةٌ فِي الْأَرْضِ ، فَالْزَمْ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ، وَاسْمَعْ وَأَطِعْ لِلْأَمِيرِ وَإِنْ جَلَدَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ ، فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا ، وَاهْرُبْ حَتَّى تَمُوتَ , فَإِنْ تَمُتْ وَأَنْتَ عَاضٌّ بِجِذْلِ شَجَرَةٍ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتَّبِعَ أَحَدًا مِنْهُمْ )) قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ , قَالَ : (( ثُمَّ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ , مَعَهُ نَهْرٌ وَنَارٌ , فَمَنْ وَقَعَ فِي نَارِهِ ، وَجَبَ أَجْرُهُ وَحُطَّ وِزْرُهُ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي نَهْرِهِ , وَجَبَ وِزْرُهُ وَحُطَّ أَجْرُهُ )) ، قُلْتُ: فَمَا بَعْدَ الدَّجَّالِ؟ , قَالَ : (( عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ )) , قُلْتُ: فَمَا بَعْدَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟ , قَالَ : (( لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْتَجَ فَرَسُهُ ، مَا رَكِبَ مُهْرَهَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ )) .
حَدِيثٌ عَظِيمُ ـ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ـ فِيهِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ ، وَتَوْجِيهَاتٌ مِنْ الْأَهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ ، تَكْفُلُ لِمَنْ عَمِلَ بِهَا ؛ السَّلَامَةَ وَالنَّجَاةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَلَكِنْ الْخَوَارِجَ لَمْ يُلْقُوْا لَهُ بَالًا لِمُخَالَفَتِهِ لِمَاْ هُمْ عَلَيْهِ ، فَصَارُوا عُرْضَةً لِلْفِتَنِ ، وَالْمَصَائِبِ وَاَلْإِحَنِ ، وَكَمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بْنَ تَيْمَيَّةَ : قَلَّ مِنْ خَرَجَ عَلَى إِمَامِ ذِي سُلْطَانٍ ، إِلَّا كَانَ مَا تَوَلَّدَ عَلَى فِعْلِهِ مِنْ اَلْشَّرِّ ، أَعْظَمَ مِمَّا تَوَلَّدَ مِنْ الْخَيْرِ ، وَرَحِمَ اللَّهُ اْبِنَ عَبْدَ الْبَرِّ ، يَوْمَ قَاْلَ : اَلْصَّبْرُ عَلَى طَاعَةِ الْإِمَامِ الْجَائِرِ ، أَوْلَى مِنْ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ ، لِأَنَّ فِي مُنَازَعَتِهِ وَالْخُرُوجِ عَلَيْهِ : اِسْتِبْدَالُ الْأَمْنِ بِالْخَوْفِ ، وَإِرَاقَةُ الدِّمَاءِ ، وَانْطِلَاقُ أَيْدِيْ اَلْدَّهْمَاءِ ، وَتَبْيِيتُ الْغَارَاتِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَالْفَسَادُ فِي الْأَرْضِ ، وَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْجَائِرِ . وَفَّقَنَا اللَّهُ لِهُدَاهُ ، وَجَعَلَ عَمَلَنَا بِرِضَاْهُ ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ . أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكَمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَأَنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ.
اَلْخُطْبَةُ اَلْثَّاْنِيَةُ
اَلْحَمْدُ لِلهِ عَلَىْ إِحْسَاْنَهُ ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَاَمْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ لَاْشَرِيْكَ لَهُ تَعْضِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
وَمِنَ اَلْأَحَاْدِيْثِ اَلَّتِي تَفْضَحُ اَلْخَوَارِجَ ، وَمِنْهُمْ إِخْوَانُنَا الْمُجْرِمُونَ ، الْمُتَلَوِّنُوْنَ كَاَلْحَرَاْبِيِ ، وَاَلْمُنْدَسُّوْنَ فِيْ مُجْتَمَعِنَاْ كَاَلْجُرْذَاْنِ : اَلْحَدِيْثُ اَلَّذِيْ فِيْ صَحِيْحِ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ e ، قَالَ : (( مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا ، فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا ، فَمَاتَ عَلَيْهِ ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً )) . فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ لَا يَجْمَعُ التَّوَاقِيعَ ضِدَّهُ ، وَلَا يَخْرُجُ لِلْمُظَاهَرَاتِ وَاَلْاِحْتِجَاْجَاْتِ ، وَلَا يَحُثُّ عَلَى الِاعْتِصَامَاتِ ، وَلَا يُصْدِرُ الْبَيَانَاتِ ، إِنَّمَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَصْبِرْ ، خَرَجَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهِ ، وَفِي ذَلِكَ خَطَرٌ عَلَيْهِ ، فَإِنْ مَاتَ ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ، أَيْ : كَمَوْتِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ، عَلَى ضَلَالٍ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ .
وَمِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَكْرَهُ الْخَوَارِجُ ذِكْرَهَا ، وَالِاسْتِدْلَالَ بِهَا ، اَلْحَدِيْثُ اَلَّذِيْ قَاْلَ عَنْهُ اِبْنُ تَيْمِيَةَ فِيْ اَلْفَتَاْوَىْ : حَدِيْثٌ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ ، فِي السُّنَنِ وَالْمَسَانِدِ ؛ كَسُنَنِ أَبِي دَاوُد ، وَالتِّرْمِذِي ، وَالنِّسَائِيِّ ، وَغَيْرِهِمْ ، وَلَفْظُهُ : (( افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، كُلُّهَا فِي النَّارِ إلَّا وَاحِدَةً ، وَافْتَرَقَتْ النَّصَارَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، كُلُّهَا فِي النَّارِ إلَّا وَاحِدَةً ، وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ، عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، كُلُّهَا فِي النَّارِ إلَّا وَاحِدَةً )) . وَفِي لَفْظٍ : (( عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً )) . وَفِي رِوَايَةٍ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ ؟ قَالَ e : (( مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي )) . وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ : (( هِيَ الْجَمَاعَةُ ، يَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ )) . فَكُلُّ مَنْ كَانَ الْيَوْمَ ، عَلَى غَيْرِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ e وَأَصْحَابُهُ ، فَهُوَ مِنْ الْفِرَقِ ، الَّتِي مَصِيرُهَا إِلَى النَّارِ ، وَبِئْسَ دَاْرُ اَلْقَرَاْر . فَلْنَتَّقِ اَللَّهَ ـ أَحِبَّتِي فِي اللَّهِ ـ وَلْيَكُنْ مَرْجِعُنَا وَمِيزَانُنَا : مَا جَاءَ فِي كِتَابِ رَبِّنَا U ، وَمَا ثَبَتَ عَنْ نَبِيِّنَا e ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ، أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ، وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ، فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ، إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ، ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا { وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ e : (( تَرَكْتُ فِيكُم أَمْرَيْنِ ، لَنْ تَضِلُّوْا مَاْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَاْ : كِتَاْبَ اَللهِ وَسُنَّةَ رَسُوْلِهِ )) .جَعَلَنِي اللَّهِ وَإِيَّاكُمْ مِنْ الْمُتَمَسِّكِينَ بِكِتَابِهِ ، الْمُهْتَدِينَ بِهَدْيِ نَبِيِّهِ ، اَلْسَّاْلِمِينَ مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطْنَ ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ . أَلَا وَصَلُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ ، فَقَدَ أَمْرَكُمْ بِذَلِكَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، فَقَالَ جُلَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمًا : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { ، وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، قَاْلَ e : (( إِنَّ أَفْضَلَ أَيَّامِكُمْ ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ , فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ قُبِضَ , وَفِيهِ النَّفْخَةُ وَفِيهِ الصَّعْقَةُ , فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ , فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ )) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ ؟ قَالَ : (( إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ ، أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ )) فَاللَّهُمَّ صُلِّيْ وَسَلَّمْ وَزِدْ وَبَارَكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ ، وَارْضِ اَلْلَّهُمَّ عَنْ اَلْتَّاْبِعِينَ ، وَتَاْبِعِيُّ اَلْتَّاْبِعِينَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وُجُودِكِ وَرَحْمَتِكِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
اَللَّهُمَّ أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَانْصُرَ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ احْمِي حَوْزَةَ الدِّينِ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدِ آمِنًا مُطَمْئِنًا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ احْفَظْ لَنَا أَمْنَنَا ، وَوُلَاةَ أَمْرِنَا ، اللَّهُمَّ مِنْ أَرَادَنَا لِتَمَسُّكِنَا بِكِتَابِ رَبِّنَا ، وَعَمِلِنَا بِسُنَّةِ نَبِيِّنَا ، وَسَيْرِنَا عَلَى مَنْهَجِ سَلَفِنَا ، اللَّهُمَّ مِنْ كَاْدَنَاْ أَوْ أَرَاْدْنَا بِسُوءٍ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ، اللَّهُمَّ أَرِنَا فِيْهِ عَجَائِبَ قُدْرَتِكَ ، وَاجْعَلْ اَللَّهُمَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ ، وَتَدْبِيْرَهُ وَتَخْطِيطَهُ سَبَبًا لِتَدْمِيرِهِ ، ياْقَوْيَ يَا عَزِيز .
اَللَّهُمَّ فَرَجْ هَمِّ الْمَهْمُومِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَنَفَّسْ كَرْبَ الْمَكْرُوبِينَ ، وَاقْضِ الدِّينَ عَنْ الْمَدِينِينَ ، اللَّهُمَّ احْفَظْ لَنَا رِجَالَ أَمْنِنَا وَجَيْشِنَا ، اللَّهُمَّ احْفَظْ أَرْوَاحَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ ، وَأَرِنَا يَوْمًا أُسُودًا فِي عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِدُعَاةِ جَهَنَّمَ الْخَوَارِجِ ، اللَّهُمَّ أَفْضَحْ مُخَطَّطَاتِهِمْ ، وَاكْشِفْ أَسْرَارَهُمْ ، وَاَهْتِكْ أَسْتَارَهُمْ ، وَلَا تُحَقِّقْ لَهُمْ فِي بِلَادِ الْحَرَمَيْنِ غَايَةً ، وَلَا تَرْفَعْ لَهُمْ بَيْنَنَا رَايَةً ، وَاجْعَلْهُمْ لِغَيْرِهِمْ عِبْرَةً وَآيَةً ، يَاْسَمِيْعَ اَلْدُّعَاءَ .} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَاْدَ اَللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ { .
بسم الله الرحمن الرحيم
اَلْدَّلِيْلُ لِمَعْرَفَةِ اَلْدَّخِيْلِ
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ، وَالْقَوِيِّ الْقَدِيرِ ، وَالسَّمِيعِ الْبَصِيرِ ، } لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ { ، أَحْمَدُهُ حَمْدًا يَلِيقُ بِكَرِيمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ ، } يَقْضِي بِالْحَقِّ ، وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ { ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحَدَهُ لَاْ شَرِيكَ لَهُ ، وَلَا نِدَّ وَلَا ضِدَّ وَلَا ظَهِير ، } لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيْلُهُ ، الْبَشِيرُ النَّذِيرُ ، وَالسِّرَاجُ الْمُنِيرُ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللَّهِ :
تَقْوَى اللَّهِ U ، هِيَ خَيْرُ زَادٍ يَتَزَوَّدُ بِهِ الْعَبْدُ فِي حَيَاتِهِ لِمَعَادِهِ ، وَهِيَ وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ ، يَقُولُ U مِنْ قَائِلٍ : } وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى { ، وَيَقُوْلُ أَيْضَاً : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { ، فَلْنَتَّقِ اَللَّهَ ـ أَحِبَّتِي فِي اَللَّهِ ـ جَعَلَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ :
إِتِّبَاعُ اَلدَّلِيلِ مِنْ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ ، أَوْ السَّنَةِ الْمُطَهِّرَةِ ، هُوَ مَا يُعْرَفُ بِهِ الْمُتَّبِعُ مِنْ الْمُبْتَدِعِ ، وَهُوَ مَا يُمَيِّزُ الْمُؤْمِنَ مِنْ الْمُنَافِقِ ، وَأَهْلَ الْهُدَىْ مِنْ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ ، وَلِذَلِكَ يَقُولُ U : } فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ ، وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { ، وَيَقُوْلُ أَيْضَاً : } وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ ، إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا ، أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا { .
فَعَدَمُ الْعَمَلِ بقول اللَّهِ U ، وَقول رسوله e ، فِيهِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ ، عَلَى ضَعْفِ الْإِيمَانِ ، وَبُرْهَانٌ بَيِّنٌ عَلَى الضَّلَالِ وَالِانْحِرَافِ ، عَنْ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِيْ ذَكَرَ U بِقَوْلِهِ : } وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ، وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ، ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ { .
وَمِمَّا بُلِينَا بِهِ ـ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ـ وُجُودُ دُعَاةٍ يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ قَوْلُ النَّبِيِّ e ، فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : (( عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا )) ، وَمِنْ بَيْنِ هَؤُلَاءِ الدُّعَاةِ ؛ الْخَوَارِجُ الَّذِينَ حَذَّرَ مِنْهُمْ النَّبِيُّ e ، لِخَطَرِهِمْ عَلَى وَحْدَةِ الْأُمَّةِ ، وَاتِّحَادِ الْكَلِمَةِ ، وَتَمَاسُكِ الْبِنَاءِ ، وَلَا أَبْلُغُ فِي التَّحْذِيرِ مِنْهُمْ ؛ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ e فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : (( لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ )) أَيٌّ اسْتَأْصَلَهُمْ وَلَا أُبْقِي لَهُمْ بَاقِيَةٌ . وَهَؤُلَاءِ الْخَوَارِجِ ـ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ـ نَسْتَطِيعُ مَعْرِفَتَهُمْ لِنُحَذِّرَهُمْ ، عِنْدَمَا نَضَعُهُمْ فِي مِيزَانِ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ ، الَّذِي يَتَمَيَّزُ مِنْ خِلَالِهِ الْمُتَّبَعُ مِنْ غَيْرِهِ .
وَمِنْ الْأَدِلَّةِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَاْ اَلْخَوَاْرِجُ ـ كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ ـ كَمَاْ أَخْبَرَ عَنْهُمُ اَلْنَّبِيُ e : عَدَمُ مَحَبَّتِهِمْ لِذِكْرِ أَوْ اِسْتِمَاْعِ ، مَاْ يَدُلُّ عَلَىْ بُطْلَاْنِ مَنْهَجِهِمْ ، وَاَنْحِرَاْفِ سُبُلِهِمْ ، وَفَسَاْدِ مَقَاْصِدِهِمْ ، وَمِنْ ذَلِكَ بَعْضُ اَلْأَحَاْدِيْثِ ، اَلَّتِيْ حَذَّرَ اَلْنَّبِيُ e خَلَاْلَهَاْ مِنْهُمْ ، مِنْهَاْ : اَلْحَدِيْثُ اَلَّذِيْ أَخْرَجَهُ أَبُوْ دَاْوُدَ ، وَاَبْنُ مَاْجَه ، وَاَلْتِّرْمِذِيُ ، حَدِيْثُ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ t ، وَاَلَّذِيْ فِيْهِ قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ e الصُّبْحَ ، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ ، وَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ ، فَأَوْصِنَا : فَقَالَ e : (( أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حبشيا ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي ، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَاْلَةٍ )) . فَهَذَا الْحَدِيثُ ـ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ـ يُحَذِّرُ مِنْ الْخُرُوْجِ عَلَىْ اَلْحَاكِمِ مَهْمَا كَاْنَ ، وَيَأْمُرُ بِالْتِزَامِ سَنَةِ النَّبِيِّ e ، وَسَنَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ : أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ـ وَيُحَذِّرُ مِنْ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ ، وَمِنْهَا الِاجْتِمَاعَاتُ السِّرِّيَّةُ ، وَالْوَلَاءُ لِغَيْرِ وَلِيِّ الْأَمْرِ ، وَالْمُظَاهَرَاتُ وَاَلْاِعْتِصَاْمَاْتُ وَاَلِاحْتِجَاْجَاْتُ ، وَتَوْقِيْعُ اَلْبَيَاْنَاْتِ وَغَيْرُ ذَلِكَ . فَهْمُ لَاْ يَتَطَرَّقُوْنَ لِهَذَاْ اَلْحَدِيْثِ ، لِأَنَّهُ يَنْسِفُ مَنْهَجَهُمْ ، وَيَكْشِفُ عَنْ سُوْءِ مَقَاْصِدِهِمْ . وَإِنْ ذُكِرَ لَهُمْ ، وَأُمِرُوْا بِاَلْصَّبْرِ عَلَى وُلَاْتِهِمْ ، قَالُوا : اَلْصَّبْرُ عَلَىْ اَلَّذِيْ يَحْكُمُ بِاَلْشَّرْعِ لَكِنْ يَتَجَاوَزُ ، أَمَّا مِنْ لَا يَهْتَدِي بِالشَّرْعِ ، وَ يَحْكُمُ بِهَوَاهُ ، فَلَا يَجْرِيْ عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ . وَهَذَا مِنْ كَذِبِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ ، وَلِيِّ بَعْضِ النُّصُوصِ لِتَخْدِمَ مَا يَدُورُ فِي عُقُولِهِمْ الْمَرِيضَةِ . وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا : قَوْلُ النَّبِيِّ e فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي لَا يُطِيقُونَهُ ، وَيَضَعُونَ الْعَرَاقِيلَ لِعَدَمِ الْعَمَلِ بِهِ ، اَلْحَدِيْثُ اَلْصَّحِيْحُ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ t عِنْدَمَاْ قَالَ : إِنَّ النَّاسَ كَانُوا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ e عَنْ الْخَيْرِ , وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ , مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي , فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ , فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ , فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ , قَالَ e : (( نَعَمْ ، فِتْنَةٌ وَشَرٌّ )) , قُلْتُ: فَمَا الْعِصْمَةُ مِنْ ذَلِكَ ؟ , قَالَ : (( السَّيْفُ )) قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ هَذَا السَّيْفِ بَقِيَّةٌ؟ قَالَ: (( يَا حُذَيْفَةُ , تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ , وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ , يَا حُذَيْفَةُ , تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ , يَا حُذَيْفَةُ , تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ )) , قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ , أَبَعْدَ هَذَا الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ : (( نَعَمْ , وَفِيهِ دَخَنٌ )) , فَقُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ : (( يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ , وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ )) . وَفِيْ رِوَاْيَةٍ : (( هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ ، وَجَمَاعَةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ فِيهَا أَوْ فِيهِمْ )) فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ , الْهُدْنَةُ عَلَى الدَّخَنِ , مَا هِيَ؟ , قَالَ : (( لَا تَرْجِعُ قُلُوبُ أَقْوَامٍ عَلَى الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ )) , فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , أَبَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ , قَالَ : (( نَعَمْ , فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ صَمَّاءُ ، عَلَيْهَا دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا )) , فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ صِفْهُمْ لَنَا , قَالَ : (( هُمْ رِجَالٌ مِنْ جِلْدَتِنَا , وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ، قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ )) , فَقُلْتُ: وَكَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ : (( إِنْ كَانَ للهِ خَلِيفَةٌ فِي الْأَرْضِ ، فَالْزَمْ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ، وَاسْمَعْ وَأَطِعْ لِلْأَمِيرِ وَإِنْ جَلَدَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ ، فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا ، وَاهْرُبْ حَتَّى تَمُوتَ , فَإِنْ تَمُتْ وَأَنْتَ عَاضٌّ بِجِذْلِ شَجَرَةٍ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتَّبِعَ أَحَدًا مِنْهُمْ )) قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ , قَالَ : (( ثُمَّ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ , مَعَهُ نَهْرٌ وَنَارٌ , فَمَنْ وَقَعَ فِي نَارِهِ ، وَجَبَ أَجْرُهُ وَحُطَّ وِزْرُهُ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي نَهْرِهِ , وَجَبَ وِزْرُهُ وَحُطَّ أَجْرُهُ )) ، قُلْتُ: فَمَا بَعْدَ الدَّجَّالِ؟ , قَالَ : (( عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ )) , قُلْتُ: فَمَا بَعْدَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟ , قَالَ : (( لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْتَجَ فَرَسُهُ ، مَا رَكِبَ مُهْرَهَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ )) .
حَدِيثٌ عَظِيمُ ـ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ـ فِيهِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ ، وَتَوْجِيهَاتٌ مِنْ الْأَهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ ، تَكْفُلُ لِمَنْ عَمِلَ بِهَا ؛ السَّلَامَةَ وَالنَّجَاةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَلَكِنْ الْخَوَارِجَ لَمْ يُلْقُوْا لَهُ بَالًا لِمُخَالَفَتِهِ لِمَاْ هُمْ عَلَيْهِ ، فَصَارُوا عُرْضَةً لِلْفِتَنِ ، وَالْمَصَائِبِ وَاَلْإِحَنِ ، وَكَمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بْنَ تَيْمَيَّةَ : قَلَّ مِنْ خَرَجَ عَلَى إِمَامِ ذِي سُلْطَانٍ ، إِلَّا كَانَ مَا تَوَلَّدَ عَلَى فِعْلِهِ مِنْ اَلْشَّرِّ ، أَعْظَمَ مِمَّا تَوَلَّدَ مِنْ الْخَيْرِ ، وَرَحِمَ اللَّهُ اْبِنَ عَبْدَ الْبَرِّ ، يَوْمَ قَاْلَ : اَلْصَّبْرُ عَلَى طَاعَةِ الْإِمَامِ الْجَائِرِ ، أَوْلَى مِنْ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ ، لِأَنَّ فِي مُنَازَعَتِهِ وَالْخُرُوجِ عَلَيْهِ : اِسْتِبْدَالُ الْأَمْنِ بِالْخَوْفِ ، وَإِرَاقَةُ الدِّمَاءِ ، وَانْطِلَاقُ أَيْدِيْ اَلْدَّهْمَاءِ ، وَتَبْيِيتُ الْغَارَاتِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَالْفَسَادُ فِي الْأَرْضِ ، وَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْجَائِرِ . وَفَّقَنَا اللَّهُ لِهُدَاهُ ، وَجَعَلَ عَمَلَنَا بِرِضَاْهُ ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ . أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكَمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَأَنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ.
اَلْخُطْبَةُ اَلْثَّاْنِيَةُ
اَلْحَمْدُ لِلهِ عَلَىْ إِحْسَاْنَهُ ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَاَمْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ لَاْشَرِيْكَ لَهُ تَعْضِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
وَمِنَ اَلْأَحَاْدِيْثِ اَلَّتِي تَفْضَحُ اَلْخَوَارِجَ ، وَمِنْهُمْ إِخْوَانُنَا الْمُجْرِمُونَ ، الْمُتَلَوِّنُوْنَ كَاَلْحَرَاْبِيِ ، وَاَلْمُنْدَسُّوْنَ فِيْ مُجْتَمَعِنَاْ كَاَلْجُرْذَاْنِ : اَلْحَدِيْثُ اَلَّذِيْ فِيْ صَحِيْحِ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ e ، قَالَ : (( مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا ، فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا ، فَمَاتَ عَلَيْهِ ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً )) . فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ لَا يَجْمَعُ التَّوَاقِيعَ ضِدَّهُ ، وَلَا يَخْرُجُ لِلْمُظَاهَرَاتِ وَاَلْاِحْتِجَاْجَاْتِ ، وَلَا يَحُثُّ عَلَى الِاعْتِصَامَاتِ ، وَلَا يُصْدِرُ الْبَيَانَاتِ ، إِنَّمَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَصْبِرْ ، خَرَجَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهِ ، وَفِي ذَلِكَ خَطَرٌ عَلَيْهِ ، فَإِنْ مَاتَ ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ، أَيْ : كَمَوْتِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ، عَلَى ضَلَالٍ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ .
وَمِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَكْرَهُ الْخَوَارِجُ ذِكْرَهَا ، وَالِاسْتِدْلَالَ بِهَا ، اَلْحَدِيْثُ اَلَّذِيْ قَاْلَ عَنْهُ اِبْنُ تَيْمِيَةَ فِيْ اَلْفَتَاْوَىْ : حَدِيْثٌ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ ، فِي السُّنَنِ وَالْمَسَانِدِ ؛ كَسُنَنِ أَبِي دَاوُد ، وَالتِّرْمِذِي ، وَالنِّسَائِيِّ ، وَغَيْرِهِمْ ، وَلَفْظُهُ : (( افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، كُلُّهَا فِي النَّارِ إلَّا وَاحِدَةً ، وَافْتَرَقَتْ النَّصَارَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، كُلُّهَا فِي النَّارِ إلَّا وَاحِدَةً ، وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ، عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، كُلُّهَا فِي النَّارِ إلَّا وَاحِدَةً )) . وَفِي لَفْظٍ : (( عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً )) . وَفِي رِوَايَةٍ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ ؟ قَالَ e : (( مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي )) . وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ : (( هِيَ الْجَمَاعَةُ ، يَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ )) . فَكُلُّ مَنْ كَانَ الْيَوْمَ ، عَلَى غَيْرِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ e وَأَصْحَابُهُ ، فَهُوَ مِنْ الْفِرَقِ ، الَّتِي مَصِيرُهَا إِلَى النَّارِ ، وَبِئْسَ دَاْرُ اَلْقَرَاْر . فَلْنَتَّقِ اَللَّهَ ـ أَحِبَّتِي فِي اللَّهِ ـ وَلْيَكُنْ مَرْجِعُنَا وَمِيزَانُنَا : مَا جَاءَ فِي كِتَابِ رَبِّنَا U ، وَمَا ثَبَتَ عَنْ نَبِيِّنَا e ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ، أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ، وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ، فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ، إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ، ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا { وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ e : (( تَرَكْتُ فِيكُم أَمْرَيْنِ ، لَنْ تَضِلُّوْا مَاْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَاْ : كِتَاْبَ اَللهِ وَسُنَّةَ رَسُوْلِهِ )) .جَعَلَنِي اللَّهِ وَإِيَّاكُمْ مِنْ الْمُتَمَسِّكِينَ بِكِتَابِهِ ، الْمُهْتَدِينَ بِهَدْيِ نَبِيِّهِ ، اَلْسَّاْلِمِينَ مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطْنَ ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ . أَلَا وَصَلُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ ، فَقَدَ أَمْرَكُمْ بِذَلِكَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، فَقَالَ جُلَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمًا : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { ، وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، قَاْلَ e : (( إِنَّ أَفْضَلَ أَيَّامِكُمْ ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ , فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ قُبِضَ , وَفِيهِ النَّفْخَةُ وَفِيهِ الصَّعْقَةُ , فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ , فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ )) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ ؟ قَالَ : (( إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ ، أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ )) فَاللَّهُمَّ صُلِّيْ وَسَلَّمْ وَزِدْ وَبَارَكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ ، وَارْضِ اَلْلَّهُمَّ عَنْ اَلْتَّاْبِعِينَ ، وَتَاْبِعِيُّ اَلْتَّاْبِعِينَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وُجُودِكِ وَرَحْمَتِكِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
اَللَّهُمَّ أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَانْصُرَ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ احْمِي حَوْزَةَ الدِّينِ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدِ آمِنًا مُطَمْئِنًا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ احْفَظْ لَنَا أَمْنَنَا ، وَوُلَاةَ أَمْرِنَا ، اللَّهُمَّ مِنْ أَرَادَنَا لِتَمَسُّكِنَا بِكِتَابِ رَبِّنَا ، وَعَمِلِنَا بِسُنَّةِ نَبِيِّنَا ، وَسَيْرِنَا عَلَى مَنْهَجِ سَلَفِنَا ، اللَّهُمَّ مِنْ كَاْدَنَاْ أَوْ أَرَاْدْنَا بِسُوءٍ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ، اللَّهُمَّ أَرِنَا فِيْهِ عَجَائِبَ قُدْرَتِكَ ، وَاجْعَلْ اَللَّهُمَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ ، وَتَدْبِيْرَهُ وَتَخْطِيطَهُ سَبَبًا لِتَدْمِيرِهِ ، ياْقَوْيَ يَا عَزِيز .
اَللَّهُمَّ فَرَجْ هَمِّ الْمَهْمُومِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَنَفَّسْ كَرْبَ الْمَكْرُوبِينَ ، وَاقْضِ الدِّينَ عَنْ الْمَدِينِينَ ، اللَّهُمَّ احْفَظْ لَنَا رِجَالَ أَمْنِنَا وَجَيْشِنَا ، اللَّهُمَّ احْفَظْ أَرْوَاحَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ ، وَأَرِنَا يَوْمًا أُسُودًا فِي عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِدُعَاةِ جَهَنَّمَ الْخَوَارِجِ ، اللَّهُمَّ أَفْضَحْ مُخَطَّطَاتِهِمْ ، وَاكْشِفْ أَسْرَارَهُمْ ، وَاَهْتِكْ أَسْتَارَهُمْ ، وَلَا تُحَقِّقْ لَهُمْ فِي بِلَادِ الْحَرَمَيْنِ غَايَةً ، وَلَا تَرْفَعْ لَهُمْ بَيْنَنَا رَايَةً ، وَاجْعَلْهُمْ لِغَيْرِهِمْ عِبْرَةً وَآيَةً ، يَاْسَمِيْعَ اَلْدُّعَاءَ .} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَاْدَ اَللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ { .