يظل للقراءة أثرُها الواضحُ في تكوين الشخصية الإبداعية للقارئ؛ حيث تعمل على تحفيز قدرات الأفراد، وإثراء معارفهم، وزيادة معلوماتهم، وصقل مواهبهم، وتفجير طاقاتهم الكامنة، وبذلك تكون القراءة من بين أهم العوامل المؤثرة في تشكيل ملامح فكر القارئ، وتحديد اتجاهاته الثقافية التي من خلالها، يمكنه خدمة المجتمع والعمل على تطويره كما تعتبر القراءة أيضًا وسيلة من الوسائل المهمة في الترويح عن النفس، وملء الفراغ بشيء مفيد، بالإضافة إلى كونها تمرينًا للقارئ على تعلُّم الكلام الفصيح، ودُربة له على التعبير البليغ، من خلال توسيع مداركه في الاطلاع على كلمات ومفردات ومعان جديدة عند كل قراءة ومن هنا فإن القراءة بهذه الأسلوبية تُعد من أهم الوسائل في اكتساب العلوم، وتحصيل المعارف، وتشكيل الثقافة العامة، فالعلوم والمعارف المتنوعة مدونة في الكتب كما هو معروف، ومن ثم فإنه لكي يتمكن القارئ من معرفة تلك العلوم، واستجلاء تلك المعارف، فإنه لا بد له من قراءة تلك المدونات والمصادر وتجدر الإشارة إلى أن العلم يتحقق بالقراءة ابتداءً على قاعدة: ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 3 - 5]، وأن التقدم والازدهار والرفعة تتحقق عن طريق التعلم بالقراءة على قاعدة: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11]؛ حيث السبيل إلى التطور الحضاري، إنما يكون بالقراءة، وتتبُّع المعرفة، وبذلك تكون القراءة من بين أهم وسائل تحصيل المعرفة وتوظيفها للنهوض بالمجتمعات وتطويرها والارتقاء بها ولذلك يلاحظ أن المجتمعات التي تنعدم فيها القراءة، ويضمحل فيها تلقي المعرفة من أمهات الكتب، يضمحل فيها الحسُّ العلمي، وينعدم في أوساطها التواصل الثقافي والمعرفي، فتنكمش على نفسها حضاريًّا، وينعزل أفرادها بعضهم عن بعض، ويتعذر عليهم عندئذ الاستفادة من أفكار ومعارف الآخرين؛ حيث يعاني المجتمع في مثل هذه الحالة من التخلف العلمي والركود الحضاري، فيجف عنده العطاء، ويتوقف عن الإبداع واستنادًا لما تقدم من معطيات، يلاحظ أن القراءة الورقية ما زالت هي الأساس في تعميق المعرفة، وتوسيع نطاق قاعدة العلوم، وتراكم التقنيات في بيئة المجتمعات التي تهتم بالقراءة، وتعمل على إشاعة حسِّها بين الأفراد؛ لتكون جزءًا من مزاجهم الاجتماعي العام، وما يترتب على مثل ذلك النهج من منعكسات إيجابية تَصُب في مصلحة تنمية تلك المجتمعات وتطويرها، وذلك بالرغم من أن القراءة الورقية أخذت تفقد بريقها لصالح القراءة الرقمية التي هيمنت على المزاج العام للقراء بشيوع استخدام الإنترنت، وأدَّت أحيانًا إلى تسطيح تحصيل المعرفة برقمنتها التقنية.