اَلْشِّتَاْءُ آيَةٌ وَعَطَاْءٌ
اَلْحَمْدُ للهِ ، اَلْمُتَفَضِّلِ بِاَلْجُوْدِ وَاَلْإِحْسَاْنِ ، وَاَلْمُنْعِمِ عَلَىْ عِبَاْدِهِ بِنِعَمٍ لَاْ يُحْصِيْهَاْ عَدٌّ وَلَاْ حُسْبَاْنُ ، أَنْزَلَ اَلْقُرَّآنَ } هُدَىً لِلْنَّاْسِ وَبَيِّنَاْتٍ مِنَ اَلْهُدَىْ وَاَلْفُرْقَاْنِ { .أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ ، } يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ { . وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ ، اَلْرَّحِيْمُ اَلْرَّحْمَنُ ، وَاَلْكَرِيْمُ اَلْمَنَّاْنُ . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، وَصَفِّيُهُ وَخَلِيْلُهُ ، وَخِيْرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ ، أَرْسَلَهُ لِلْإِنْسِ وَاَلْجَاْنِ ، وَخَتَمَ بِهِ اَلْكُتُبَ وَاَلْأَدْيَاْنَ ، صَلَىْ اللهُ وَسَلَّمَ عَلِيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَاَلْتَّاْبِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَاْنٍ مَاْ تَوَاْلَتِ اَلْأَزْمَاْنُ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَادَ اللهِ :
تَقْوَىْ اللهِ U ، وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَاْدِهِ ، فَهُوَ الْقَائِلُ فِي كِتَابِهِ : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِيْنَ أُوتُوا الْكِتَاْبَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوْا اللَّهَ { ، فَلْنَتَقِ اللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اللهِ ـ جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَقِيْن .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
مِنَ اَلْأُمُوْرِ اَلْمُفِيْدَةِ اَلْنَّاْفِعَةِ لِلْعَبْدِ فِيْ حَيَاْتِهِ ، بَلْ حَتَّىْ بَعْدَ وَفَاْتِهِ : اَلْتَّفَكُّرُ فِيْ عَجَاْئِبِ مَخْلُوْقَاْتِ اللهِ U ، وَاَلْتَّأَمُّلُ فِيْ عَظِيْمِ آيَاْتِهِ ، فَفِيْ ذَلِكَ زِيَاْدَةُ اَلْإِيْمَاْنِ ، وَقُوَّةُ اَلْصِّلَةِ بَاَلْرَّحِيْمِ اَلْرَّحْمَنِ ، يَقُوْلُ U}: إِنَّ فِيْ خَلْقِ اَلْسَّمَاْوَاْتِ وَاَلْأَرْضِ ، وَاَخْتِلَاْفِ اَلْلَّيْلِ وَاَلْنَّهَاْرِ ؛ لَآيَاْتٍ لِأُوْلِيْ اَلْأَلْبَاْبِ . اَلَّذِيْنَ يَذْكُرُوْنَ اَللَّهَ قِيَاْمَاً وَقُعُوْدَاً وَعَلَىْ جُنُوْبِهِمْ ، وَيَتَفَكَّرُوْنَ فِيْ خَلْقِ اَلْسَّمَاْوَاْتِ وَاَلْأَرْضِ ، رَبَّنَاْ مَاْ خَلَقْتَ هَذَاْ بَاْطِلَاً سُبْحَاْنَكَ ، فَقِنَاْ عَذَاْبَ اَلْنَّاْرِ {، لَمَّاْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ اَلْآيَاْتِ عَلَىْ اَلْنَّبِيِّ e ، قَاْلَ ـــ كَمَاْ فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ـــ : (( لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اَلْلَّيْلَةَ آيَةٌ , وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَاْ وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيْهَا )) .
فَاَلْتَّفَكُّرُ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ فِيْ آيَاْتِ اللهِ U ، وَاَلْتَّأَمُّلُ فِيْ مَخْلُوْقَاْتِهِ ؛ أَمْرٌ مَطْلُوْبٌ شَرْعَاً ، وَذَلِكَ لَعِظِيْمِ فَوَاْئِدِهِ ، وَحُسْنِ نَتَاْئِجِهِ ، وَلَاْ أَدَلُّ عَلَىْ ذَلِكَ ، مِمَّاْ يَخْتُمُ اللهُ U بِهِ قَوْلَهُ كُلَّمَاْ ذَكَّرَ بِآيَاْتِهِ . تَأَمَّلُوْا ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ قَوْلَ اَللهِ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ : } إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {، } إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ {، } إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ { ، } إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ { ، فَاَلَّذِيْنَ يَتَفَّكْرُوْنَ ، وَاَلَّذِيْنَ يَسْمَعُوْنَ ، وَاَلَّذِيْنَ يَعْقِلُوْنَ ، وَاَلْمُؤْمِنُوْنَ ، هُمُ اَلَّذِيْنَ تُأَثِّرُ بِهِمْ آيَاْتُ اللهِ U ؛ نَتِيْجَةَ تَفَكُّرِهِمْ . أَمَّاْ غَيْرُهُمْ ، فَلَاْ تَزِيْدُهُمْ آيَاْتُ اللهِ U ؛ إِلَّاْ إِعْرَاْضَاً وَكُفْرَاً وَعِنَاْدَاً ، كَمَاْ يَقُوْلُ U : } وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ { ، أَيْ وَكَمْ مِنْ آيَةٍ دَالَّةٍ عَلَىْ وَحْدَاْنِيَّةِ اللَّهِ سُبْحَاْنَهُ ، يُشَاهِدُونَهَا لَا يَتَفَكَّرُونَ بِهَا .
فَهِيَ كَاْرِثَةُ اَلْكَوَاْرِثِ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ أَنْ يُعْرِضَ اَلْمَرْءُ ، عَنِ اَلْتَّفَكُّرِ بِآيَاْتِ اللهِ جَلَّ جَلَاْلُهُ ، فِيْ وَقْتٍ يَكُوْنُ تَفَكُّرُهُ فِيْ حُطَاْمِ دُنْيَاً فَاْنِيَةٍ ، وَهَذِهِ مُشْكِلَةُ كَثِيْرٍ مِنَ اَلْنَّاْسِ ، اَلَّذِيْنَ يَحْصُلُوْنَ عَلَىْ أَعْلَاْ اَلْمَنَاْصِبِ ، وَيَصِلُوْنَ لَأَعْلَىْ اَلْمَرَاْتِبِ ، وَيَجْمَعُوْنَ كَثِيْرَاً مِنَ اَلْأَمْوَاْلِ ، وَيَفْقَهُوْنَ أَصْعَبَ أُمُوْرِ اَلْحَيَاْةِ ، وَلَكِنَّهُمْ يَدُوُرُوْنَ فِيْ أَمَاْكِنِهِمْ فِيْ جَاْنِبِ عِلَاْقَتِهِمْ مَعَ اللهِ U ، فَتَبَّاً لَهُمْ وَلِتَفَكِّرِهِمْ ، هُمْ كَمَاْ قَاْلَ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ : } لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا ، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا ، وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ، أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ، أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ { .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
وَمِنْ آيَاْتِ اَللهِ U ، اَلَّتِيْ تَسْتَحِقُ اَلْتَّأَمُّلَ وَاَلْتَّفَكُّرَ : فَصْلُ اَلْشِّتَاْءِ ، وَهَذَاْ اَلْبَرْدُ اَلَّذِيْ نَعِيْشُهُ فِيْ هَذِهِ اَلْأَيَّاْمَ ، فَهُوَ آيَةٌ مِنْ آيَاْتِ اَللهِ ، وَعَلَاْمَةٌ وَاْضِحَةٌ تَدُلُّ عَلَىْ عَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ سُبْحَاْنَهُ ، فَبِاَلْأَمْسِ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ كُنَّاْ نَبْحَثُ عَنْ مَاْ يُبَرِّدُ أَجْسَاْدَنَاْ ، وَاَلْيَوْمَ صِرْنَاْ نَبْحَثُ عَنْ مَاْ يُدْفِئُهَاْ . اَلْشَّمْسُ اَلَّتِيْ كُنَّاْ نَتَقِيْ حَرَاْرَتَهَاْ ، صِرْنَاْ اَلَيَوْمَ نَتَلَذَّذُ بِسُخُوْنَتِهَاْ ، فَهَلْ أَثَّرَ ذَلِكَ فِيْ نُفُوْسِنَاْ ، وَأَحْدَثَ شَيْئَاً فِيْ عُقُوْلِنَاْ ، هَلْ زَاْدَ ذَلِكَ فِيْ إِيْمَاْنِنَاْ وَيَقِيْنِنَاْ وَتَصْدِيْقِنَاْ بِخَاْلِقِنَاْ ؟ أَمْ أَنَّنَاْ ـ وَاَلْعِيَاْذُ بِاَللهِ ـ كَاَلَّذِيْنَ يَنْسِبُوْنَ ذَلِكَ لِلْظَّوَاْهِرِ اَلْكَوْنِيَةِ ، وَاَلْعَوَاْمِلِ اَلْجُغْرَاْفِيَةِ ، اَلَّذِيْنَ يَصْدِقُ عَلَيْهِمْ قَوْلُ اللهِ } : Uوَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ { .
فَاَلْشِّتَاْءُ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ آيَةٌ مِنْ آيَاْتِ اَللهِ ، وَلَكِنَّهَاْ لِلَّذِيْنَ يَتَفَكَّرُوْنَ ، وَلِلَّذِيْنَ يَسْمَعُوْنَ ، وَلِلَّذِيْنَ يَعْقِلُوْنَ ، فَفِيْ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t عَنْ النَّبِيِّ e قَالَ : (( اِشْتَكَتِ اَلْنَّاْرُ إِلَىْ رَبِّهَاْ فَقَاْلَتْ : يَاْ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعضاً ، فَأَذِنَ لَهَاْ بِنَفَسَيْنِ : نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ . فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ )) . فَهَذَاْ اَلْبَرْدُ ، اَلَّذِيْ نُعَاْنِيْ مِنْهُ ، وَيَتَمَنَّىْ بَعْضُنَاْ سِرْعَةَ ذَهَاْبِهِ ، إِنَّمَاْ هُوَ نَفَسٌ ، كَمَاْ فِيْ اَلْحَدِيْثِ ـ مِنْ أَنْفَاْسِ اَلْنَّاْرِ ، وَجُزْءٌ مِنْ عَذَاْبِهَاْ وَزَمْهَرِيْرِهَاْ ، وَهَذِهِ فَاْئِدَةٌ مِنْ فَوَاْئِدِ الشتاء ، نَتَذَكَّرُ وَنَحْنُ نُعَاْنِيْ مِنْ شِدَّةِ بَرْدِهِ تَلْكَ اَلْنَّاْر اَلَّتِيْ جَعَلَهَاْ اَللهُ U لِعُصَاْتِهِ ، نَتَذَكَّرُهَاْ وَنَحْنُ نُحِسُّ بِنَفَسٍ مِنْ أَنْفَاْسِهَاْ ، فَإِذَاْ كَاْنَ هَذَاْ اَلْنَّفَسُ ، فَكَيْفَ بِاَللهِ عَلَيْكُمْ بِمَاْ وَرَاْءَهُ ؟
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
إِنَّ اَلْشِّتَاْءَ بِبُرُوْدَتِهِ ، اَلَّذِيْ يَتَضَجَّرُ مِنْهُ كَثِيْرٌ مِنَّاْ ، كَاْنَ اَلْسَّلَفُ اَلْصَّاْلِحُ ـــ رَحِمَهُمُ اَللهُ ـــ يَفْرَحُوْنَ بِهِ ، وَيَسْتَبْشِرُوْنَ بِحُلُوْلِهِ غَيْرَ مُبَاْلِيْنَ بِبُرُوْدَتِهِ ، وَهُمْ لَاْ يَجِدُوْنَ مَاْ يَدْفَعُوْنَ بِهِ لَسَعَاْتِ بَرْدِهِ ، وَنَحْنُ أَوْ بَعْضُنَاْ يَتَضَجَّرُ وَيَتَأَفَّفُ وَعِنْدَهُ جَمِيْعُ سُبُلِ اَلْوُقَاْيَةِ مِنْهُ ، وَإِنْ أَعْجَبَهُ شَيْءٌ فِيْ اَلْشِّتَاْءِ ، فَلَاْ هُنَاْكَ غَيْرُ اَلْنَّوْمِ ، حَيْثُ طُوْلِ اَلْلَّيْلِ ، لَاْ يُعْجِبُهُ فِيْ اَلْشِّتَاْءِ إِلَّاْ طُوْلُ لَيْلِهِ ، لَيَنَاْمَ اَلْسَّاْعَاْتِ اَلْطُّوَاْلِ ، أَوْ لِيَحْصُلَ عَلَىْ قَدْرٍ كَبِيْرٍ مِنْ اَلْسَّهَرِ ، لِيُرَوِّحَ عَنْ نَفْسِهِ اَلْمَرِيْضَةِ . فَإِنْ كَاْنَ هَذَاْ اَلْشِّتَاْءُ ، أَوْ مَاْ يَجْعَلُنَاْ نُحِبُّ اَلْشِّتَاْءَ ، فَلْنَتَأَمَّلْ لِمَاْذَاْ اَلْسَّلَفُ اَلْصَّاْلِحُ يَفْرَحُوْنَ بِفَصْلِ اَلْشِّتَاْءِ ؟
أَخْرَجَ اَلْإِمَاْمُ أَحْمَدُ فِيْ حَدِيْثٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِيْ سَعِيْدٍ اَلْخُدْرِي t ، عَنْ اَلْنَّبِيِّ e أَنَّهُ قَاْلَ : (( اَلْشِّتَاْءُ رَبِيْعُ اَلْمُؤْمِنِ )) ، أَخْرَجَهُ اَلْبَيْهَقِيُّ وَزَاْدَ فِيْهِ : (( طَاْلَ لَيْلُهُ فَقَاْمَهُ ، وَقَصُرَ نَهَاْرُهُ فَصَاْمَهُ )) , هَذَاْ هُوَ اَلْشِّتَاْءُ ، رَبِيْعُ اَلْمُؤْمِنِ ، لَيْسَ لِطُوْلِ اَلْسَّهَرِ أَوْ لِكَثْرَةِ اَلْنَّوْمِ ، إِنَّمْاْ لِلْقِيَاْمِ وَاَلْصِّيَاْمِ .
وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ عَنْ اَلْنَّبِيِّ e : (( اَلْصِّيَاْمُ فِيْ اَلْشِّتَاْءِ اَلْغَنِيْمَةُ اَلْبَاْرِدَةُ )) ، وَكَاْنَ أَبُوْ هُرَيْرَةَ t يَقُوْلُ : أَلَاْ أَدُلُّكُمْ عَلَىْ اَلْغَنِيْمَةِ اَلْبَاْرِدَةِ . قَاْلُوْا : بَلَىْ , فَيَقُوْلُ : اَلْصِّيَاْمُ فِيْ اَلْشِّتَاْءِ ، وَقِيَاْمُ لَيْلِ اَلْشِّتَاْءِ .
وَرُوُيَّ عَنْ اِبْنِ مَسْعُوْدٍ t قَاْلَ : مَرْحَبَاً بِاَلْشِّتَاْءِ تَنْزُلُ فِيْهِ اَلْبَرَكَةُ , وَيَطُوْلُ فِيْهِ اَلْلَّيْلُ لِلْقِيَاْمِ ، وَيَقْصُرُ فِيْهِ اَلْنَّهَاْرُ لِلْصِّيَاْمِ ، وَعَنْ اَلْحَسَنِ قَاْلَ : وَنِعْمَ زَمَاْنِ اَلْمُؤْمِنِ ؛ اَلْشِّتَاْءُ ، لَيْلُهُ طَوُيْلٌ يَقُوْمُهُ وَنَهَاْرُهُ قَصِيْرٌ يَصُوْمُهُ . قَاْلَ اِبْنُ رَجَبَ ــ رَحِمَهُ اَللهُ ــ : قِيَاْمُ لَيْلِ اَلْشِّتَاْءِ يَعْدُلُ صِيَاْمَ نَهَاْرِ اَلْصَّيْفِ ، وَلَهَذَاْ بَكَىْ مُعَاْذٌ t عِنْدَ مَوْتِهِ ، وَقَاْلَ : إِنَّمَاْ أَبْكِيْ عَلَىْ ظَمَأِ اَلْهَوَاْجِرِ ، وَقِيَاْمِ لَيْلِ اَلْشِّتَاْءِ ، وَمُزَاْحَمَةِ اَلْعُلَمَاْءِ بِاَلْرُّكَبِ عِنْدَ حِلَقِ اَلْذَّكْرِ . فَلْنَتَقِ اللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اللهِ ـ وَلْنَكُنْ مِنْ اَلَّذِيْنَ يَتَفَكَّرُوْنَ بَآيَاْتِ اللهِ ، وَيَنْتَفِعُوْنَ بِذَلِكَ قَرْبَاً وَطَاْعَةً وَمَحَبَّةً للهِ U ، أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَهْدِيْ ضَاْلَ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ ، أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَاْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرُ اَلْرَّحِيْمُ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، أَيُّهَا الإِخْوَةُ :
وَمِنْ اَلْأُمُوْرِ اَلَّتِيْ يَنْبَغِيْ اَلْتَّذْكِيْرُ بِهَاْ فِيْ هَذَاْ اَلْبَرْدِ ، وَفِيْ فَصْلِ اَلْشِّتَاْءِ خَاْصَةً ، وَلَعَلَّنَاْ نَذْكُرُهَاْ عَلَىْ سَبِيْلِ اَلْاِخْتِصَاْرِ ــ مَاْ يَأْتِيْ :
أَوْلَاً : اَلْمَسْحُ عَلَىْ اَلْخُفَّيْنِ ، فَمِنْ تَيْسِيْرِ اَللهِ U عَلَىْ عِبَاْدِهِ ، أَنْ أَجَاْزَ اَلْمَسْحَ بَدَلَاً مِنْ اَلْغُسْلِ ، يَوْمَاً وَلَيْلَةً لِلْمُقِيْمِ ، وَثَلَاْثَةَ أَيَّاْمٍ بِلَيَاْلِيْهَاْ لِلْمُسَاْفِرِ .
ثَاْنِيَاً : تَهَاْوُنُ بَعْضِ اَلْنَّاْسِ ، فِيْ قَضِيْةِ اَلْوُضُوْءِ ، وَمِنْ اَلْمَعْلُوْمِ أَنْ إِسْبَاْغَ اَلْوُضُوْءِ فِيْ اَلْبَرْدِ ، مِنْ كَفَّاْرَاْتِ اَلْذُّنُوْبِ وَاَلْخَطَاْيَاْ ، يَقُوْلُ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ : (( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ : إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ )) .
ثَاْلِثَاً : اَلْأَطْفَاْلُ وَاَلْخَدَمُ ، يَحْتَاْجُوْنَ لِمَزِيْدٍ مِنْ اَلْإِهْتِمَاْمِ ، وَكُلُّكُمْ رَاْعٍ وَكُلٌّ مَسْؤُوْلٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ . عُمُرُ بِنُ اَلْخَطَّاْبِ t يَقُوْلُ عَنْهُ اِبْنُ اَلْمُبَاْرَكِ ، إِذَاْ حَضَرَ اَلْشِّتَاْءُ كَتَبَ t لِمَنْ فِيْ اَلْشَّاْمِ مِنْ اَلْصَّحَاْبَةِ ؛ إِنَّ اَلْشِّتَاْءَ قَدْ حَضَرَ وَهُوَ عَدُوٌّ ، فَتَأَهَّبُوْا لَهُ أُهْبَتَهُ مِنْ اَلْصُّوْفِ وَاَلْخِفَاْفِ وَاَلْجَوَاْرِبِ ، وَاَتَّخِذُوْا اَلْصُّوْفَ شِعَاْرَاً وَدِثَاْرَاً ، فَإِنَّ اَلْبَرْدَ عَدُوٌ ، سَرِيْعٌ دُخُوْلُهُ ، بَعِيْدٌ خُرُوْجُهُ .
رَاْبِعَاً : وَفِيْ فَصْلِ اَلْشِّتَاْءِ ، يَسْتَعْمِلُ بَعْضُ اَلْنَّاْسِ اَلْنَّاْرَ لِلْتَّدْفِئَةِ ، وَكَذَلِكَ بَعْضَ اَلْمَدَاْفِئِ اَلَّتِيْ تَعْمَلُ عَمَلَ اَلْنَّاْرِ ، وَقَدْ يَكُوْنَ ذَلِكَ سَبَبَاً مِنْ أَسْبَاْبِ اَلْإِحْتِرَاْقِ أَوْ اَلْإِخْتِنَاْقِ ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، عَنْ أَبِي مُوسَى اَلْأَشْعَرِيِّ t قَالَ : اِحْتَرَقَ بَيْتٌ فِي الْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ بِاللَّيْلِ فَحُدِّثَ النَّبِيُّ e بِشَأْنِهِمْ فَقَالَ : (( إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ )) ، وَفِيْ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ أَيْضَاً قَاْلَ e : (( لَاْ تَتْرُكُوْا اَلْنَّاْرَ فِيْ بُيُوْتِكُمْ حِيْنَ تَنَاْمُوْنَ )) .
خَاْمَسَاً : اَلْجَمْعُ بَيْنَ اَلْصَّلَاْتَيْنِ ، رُخْصَةٌ مِنْ اَللهِ ، وَقَدْ جَمَعَ اَلْنَّبِيُّ e بَيْنَ اَلْظُّهْرِ وَاَلْعَصْرِ ، وَبَيْنَ اَلْمَغْرِبِ وَاَلْعِشَاْءِ ، فَإِذَاْ اِحْتَاْجَ اَلْنَّاْسُ إِلَىْ اَلْجَمْعِ ، بِسَبَبِ اَلْمَطْرِ أَوْ اَلْبَرْدِ ، اَلْلَّذَيْنِ يُسَبِبَاْنِ اَلْحَرَجَ لِأَضْعَفِ اَلْمُصَلِّيْنَ ، فَاَلْجَمْعُ مَشْرُوْعٌ ، بَلْ اَلْصَّلَاْةُ فِيْ اَلْرِّحَاْلِ مَشْرُوْعَةٌ أَيْضَاً .
أَلَاْ وَصَلُّوْا عَلَىْ اَلْبَشِيْرِ اَلْنَّذِيْرِ ، وَاَلْسِّرَاْجِ اَلْمُنِيْرِ ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اَلْلَّطِيْفُ اَلْخَبِيْرُ ، فَقَاْلَ جَلَّ مِنْ قَاْئِلٍ عَلِيْمَاً : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ e : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )) ، فَاَلْلَّهُمَّ صَلِيْ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَاْرَكْ عَلَىْ نَبِيِّنَاْ مُحَمَّدٍ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ أَجْمَعِيْنَ ، وَاَرْضَ اَلْلَّهُمَّ عَنِ اَلْتَّاْبِعِيْنَ وَتَاْبِعِيْ اَلْتَّاْبِعِيْنَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَاْنٍ إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ ، وَعَنَّاْ مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ وَجُوْدِكَ وَرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْن . اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ نَصْرَ اَلْإِسْلَاْمِ وَعِزَّ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ أَعِزَّ اَلْإِسْلَاْمَ وَاَنْصُرَ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَاَحْمِيْ حَوْزَةَ اَلْدِّيْنَ ، وَاَجْعَلْ بَلَدَنَاْ آمِنَاً مُطْمَئِنَاً وَسَاْئِرَ بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ . اَلْلَّهُمَّ اَحْفَظْ لَنَاْ أَمْنَنَاْ ، وَوُلَاْةَ أَمْرِنَاْ ، وَعُلَمَاْءَنَاْ وَدُعَاْتَنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ جَنِّبْنَاْ اَلْفِتَنَ ، مَاْ ظَهَرَ مِنْهَاْ وَمَاْ بَطَنَ ، بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْنَ .
اَلْلَّهُمَّ مَنْ أَرَاْدَنَاْ أَوْ أَرَاْدَ بِلَاْدَنَاْ أَوْ شَبَاْبَنَاْ أَوْ نِسَاْءَنَاْ بِسُوْءٍ ، اَلْلَّهُمَّ فَأَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ ، وَاَجْعَلْ كَيْدَهُ فِيْ نَحْرِهِ ، وَاَجْعَلْ تَدْبِيْرَهُ سَبَبَاً لِتَدْمِيْرِهِ يَاْقَوُيَّ يَاْ عَزِيْز .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عِبَاْدَ اَللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ، وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { .
فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .