أح‘ـــــمـــــد ..{ روايه قصيره } الجزء الثاني

.. أحمد .. .. الجُزء الثاني .. البحرين في .. " 1988 م " بعد إرتحالهم عن منزلهم الكئيب .. إستقروا في حي ٍ شعبي .. واستأجروا منزلا ً بغرفتين وفناء ً صغير .. كانت الأسقف تحتظن الأعمدة الخشبية .. ولبنات ُ الطين يداعُب ُ شقوقها المطر .. والنوافذ المتواطئةِ مع الريح .. والأبواب التي يُراقصُها الهواء .. تـَبــــُث ّ الرعب َ في أنحائهم بـ صريرها الحاد .. حقا ً .. كم كان َهذا المكان موحشا ً .. وقاتما ً لاحياة َ فيه ِ ولا ألوان ..! يتبع ~

أولئك َ الصغار .. كانوا كـ الحمائم َ حول َ والدهم المُنهك .. والذي نَذَر َ بقية عُمره ِ لأطفاله ِ البؤساء .. لم يُفكّر بـ الزواج ِ ثانية ً .. خوفا ًأن تأتي ِ مَن تقسوا عليهم في غيابه عنهم ..! وتُذيقهم أصناف َ العذاب .. كان َ لهم أبا ً .. أُما ً.. أخا ً .. أُختا ً.. وأمانا ً يصدُّ عنهم خوفهمِ الشاحب َ من الآت ِ الرمادي ..! كان َ لهم أبا ً .. ليس َ كـ أيّ أب .. فـ كَم عانى من التعب .. وكَم تحمّل َ من الكدّ ِ والجَهَد .. كي يوفّر َ بعض َ النقود الإضافية .. لـ ِيستجمع َبها فرحة ًصغيرة .. تاهت في أعيُنِهم الغائره .. يستحضرُها لهم بـ ألعاب ٍ صغيرة تُسلّيهم .. بـ ملابس َ جديده تُفرحهم .. وبـ الكثير ِمن الأمُنيات ِ الجميلة ِالتي يَعِدهم بها .. في القريبِ المُبهم ِ المُقدّر ..!

لا أُطيل ُ عليكم .. فـ في تلك َ السنه .. مَرِض َ الأبُ وأعتلّت صحته .. وأخفى مرضه ِ عن الجميع .. لم يكُن مُهتمّا ً سوى بـ صغاره ِ ومعيشتهم .. حتى أستشرى في جسده ِ النحيل مرض السرطان .. ولم تُجدي الأدوية في حالته ِنفعا ً .. كان َ يبكي ويتألم ويدعوا ربه .. ليس َ خوفا ً من الموت ِأوالنهاية .. فـ الكُل ُ راحل .. بل يبكي حُزنا على صغاره ِ المساكين .. وخوفا ً عليهم وعلى مصيرهم بعد َ رحيله .. أمّا هُم .. فـ ي َ للمساكين َ هُم ..! كانوا يأتون َ لـ زيارته ِ في المشفى القديم .. القريب من منزلهم .. .. جياعا ً .. باكين َ .. خائفين .. فـ يُعطيهم حصتهِ البسيطه من طعامه ِ الباهت .. ويربِت ُ على أكتافهم .. ويمسح ُ على رؤسهم .. ويُطمئنهم بـ أنه سـ يخرج ُ بعد َ أيام .. كان يُقبّلهُم ويحتضنهم ويُداعبهم قدر إستطاعته .. وكان َ أحمد وإخوته ِ يُصدّقون َ مايقوله لهم بـ أنه قد شُفي .. وسريعا ً ماكانوا يُكذّبون َ ماقاله ُ لهم .. مع كُل ِ آه ٍ موجِعه تخرُج ُ لا إراديا ً من شدّة الألم ..! يتبع ..

قال َ لي أحمد بـ صوت ٍ تخنقه العبرات .. في ذلك َ اليوم .. ذهبت ُ وإخوتي الى المشفى لـ رؤية ِ والدنا المريض .. وكُنا نتحدّى بعضنا في مَن يراه ُ أولا ً .. ويُقبّله ُ ويحتظنه ُ أولا ً قبل َ الجميع .. سَكَت َ احمد .. ثُم َ تنهّد َ تنهيدة ً ملؤها الحُزن ..! وأكمل .. عندما دخلنا غُرفة َ والدي .. كانت فارغه .. لا أحد َ بها سوانا والسرير ُ .. إقتربت ُ من سريره ِأكثر َ وصرخت ُ .. أبي ..؟ بل كانت صرخاتنا جماعيه .. أبي ..؟ ومع تعالي الصُراخ حضرت الممرضة البدينة .. وأخذتنا خارج َ الغُرفة ونحن ُ نتوسّلها أن تُجيب .. أن تقول َ أين َ هُو َ..؟ أين َ ذهب ..؟ صَمَتت .. ثم قالت سـ آخذكم الى المُشرفة الإجتماعية .. سـ تُعطيكُم بعض َ الحلوى و سـ تُجيبُكم عن كُل شيء .. حقا ً .. لم نكُن نعلم َ أن أبي قد فاضت روحه الى بارئها قبل َ أن نأتي بـ قليل .. ولم نكُن نُدرك معنى أنَّ أبي قد مات َوبـ أننا لن نراه ُ ثانية ً .. كُل ما أذكُره أن تلك المشرفة وفّرت لنا مأوىً في دار ِ الأيتام .. وما لا أستطيع ُ نسيانه ُأنه وقبل َ أن يودعونا الدار .. زُرنا غُرفة َ أبي لآخر َ مرّه .. شممنا رائحته ِ لآخر َ مرّه .. .. أعترف .. بـ أنني حضنت ُ سرير َ أبي قبل َ الجميع .. وقبّلت ُ سرير َ أبي قبل الجميع .. وبكيت ُ على سرير ِ أبي قبل الجميع وفقدت ُ الوعي َ بعدها ..! ولم اُفق الا وأنا في غُرفتي في دار الأيتام ..

في دار الأيتام المُزدحمة ِ بـ الأيتام ..! بدأت رحلتنا الجديدة ِ مع الحياة ِ .. والألم .. بدأو بـ توزيعنا حَسَب الأعمار .. وفُرّقت ُ عن أخوتي الأكبر والأوسط وأخذوهم الى عنبر ٍ آخر .. وتركوني مع أخي الذي يُقاربني سِنا ً.. كانت العنابر ُ ضيقه .. كئيبه .. أسرّه فوق َ بعضها وتكدّس الأطفال اليتامى تماما ًكـ بضائع الميناء ..! في دار ِ الأيتام .. الكُل ُ حزين .. فلا فَرَح يُلطّف الأجواء .. والكُلُ باك ٍ .. فلا إبتسامات ٍ نادرة تزور شفاههم .. الكُلُ يعاني فراق أبويه ِ.. وعائلته .. أبدا ً لن أنسى المشهد اليومي المتكرر .. فـ حينما نخرج ُ للحديقة ِ المُلحقة ِ بـ الدار .. نبحث ُ عن بعضنا وسط َ الزحام .. ونلتقي بعد َ عناء .. نرتمي في أحضان ِ بعضنا فـ الكُل ُ بـ حاجة ٍ لـ هذه ِ اللحظات .. .. نبكي .. ونبكي .. ونبكي .. أقسم ُ لك .. أنَّ دموعنا الصغيرة ِ لو جمعوها لـ كوّنت بُحيرة ً لاتُجففها حرارة الشمس ..! وعند َ إنتهاء ِ وقت ِ النُزهة الحزينة .. نودّع ُ بعضنا على أمل اللقاء غدا ً .. نلوّح ُ لـ بعضنا .. بـ أيدينا .. وداعا ًيخنقه ُ الإشتياق .. وندعوا ربّنا أن يكون َ غّدِنا أرحم َ من يومنا .. ف َ يارب .. كم عانيت ُ وإخوتي .. لا أب .. لا أم .. لا عائلة .. لا أقارب .. لا أمل َ لنا سِوى .. أملنا بـ رحمن ِ الدُنيا ورحيمهما .. أن يربط َ على قلوبنا الصغيرة .. وأن يرحَمَ ضعفنا وقلّة حيلتنا .. وأن يُكفكِف َ دموعا ً .. قد إبيضّت منها عيونُ اليتامى الباكين .. لي عودهـ ~

منّي .. لـ أحمد .. مازلت ُ أتذكّر ملامح الحُزن وأنت َ تتكلم عن قصّتك .. أتذكّر عندما جلسنا على شاطئنا الهاد ِ تلك َ الليلة .. كنتُ .. وأنت َ .. والبحر ِ .. والقمر َ الناضج .. جميعنا .. نستمع ُ لك َ بـ إنصات .. إن بكيت َ .. بكينا .. وإن تنهّدت َ .. أحسسنا .. وإن شهقت َ .. حبسنا أنفاسنا لك َ .. خوفا ً عليك ..! أعان َ الله َ قلبك صديقي البعيد .. وحتما ً .. سـ أعود ُ لـ أروي المزيد .. ف َ م َ زال َ بـ جُعبتي لكم .. المزيد َ .. والمزيد ..

.. بـ عصبيّه .. بادرني أحمد بـ السؤال وقال .. ماشعورك وأنت َ تتقبّل أمورا ً رغما ً عنك ..؟ أن تتكيّف َ بـ العيش ِ في مُحيط ٍ لايصلح ُ للحياة ِ أساسا ً..؟ أن ترى قوّتهم وأنت خائر القوى مُستسلما ً بـ عُنف ..! بل أجبني عن إحساس ِطفل ٍ فَقَدَ كُلَّ شيء .. عقله ُ لايعي .. وقلبه ُ لايحتمل ..! كُلما أفاق َ من فقد ٍ .. صُدِم َ بـ فقد ٍ جديد ..! أ .. تُصدّق بـ أنني عانيت ُ الفصام ِ العقلي لـ فتره ..! ف َ حينما يخلدون َ الى النوم ِ لا أنام .. بل أُحدّق في الظلام ِ المُعتّق في أنحاء الغرفة ِ كُل َ ليلة ..! ومن شدّة ِ التحديق في الظلام ِ ترتسم ُ أمام َ ناظريّا كُل الأشياء التي فقدتها .. أرى بيتنا الأول ِوأتخيّل ُ فنائه ِوكأنني أركُض ُ في مساحاته .. تأتي إليّا أختي شهيدة ُ الرغيف ِ .. والرصيف .. تحتظنني .. وتختفي ..! أسمع ُ صوت َ أبي يُناديني من الداخل .. وإن كان َ الصوت ُمخنوقا ً لايهم فـ النبرة ُ واحده .. حتى أنني أُفاجأ بـ خادمتنا رضيعة ُ إبليس وهي تقف ُ أمامي مُقطّبة ِ الجبين .. أقسم ُ لك .. بـ أنني أتخيل ُ ضربها لي وأحس ُ بـ الوجع ِ تماما ً كـ ما كان َ في الحقيقه ..! وفي خِضمِّ هذا الفصام أُغمض ُ عيناي َ .. لـ أتعمّق بـ الظلام ِ.. والفصام ِ.. أكثر َ وأكثر .. لك َ أن تتخيل إحساسي كـ طفل ٍ في هذين العالمين ..! ماشعورك قُل لي .. أجبني ..؟ أ .. وبعد َ هذا سـ تتصور حجم َ مُعاناتي في أُفقك َ المحدود ..؟ حقا ً .. لا أملك إجابات ٍ تُروي عطش َ أسئلتك ي َ احمد ..! سـ أصمت .. ف َ صمتي هُنا راية ً بيضاء لا تعني الاستسلام .. بل ربما الإنسحاب ..!! و َ .. يتّبع ~

روايه حزينة وأليمه بمعنى الكلمه ..

هي مأساه مؤثّره .. تدمي القلب بفصولها القاسية وأحداثها الدامية ..

لقد أبدعت ياأبا سيف بتصويرها وتجسيدها وجعلتنا نشاهد الأحداث من خلال قراءتنا

وكأننا نشاهد فيلم سينمائي ..

بأسلوب التشويق نقرأ ونشاهد كل هذا الألم ..

إسلوب يجبرنا على المتابعه رغم الألم

أبدعت ياسيد الحرف

متابعه

واقع اعتنق الحزن
ومشاعر عاريه بوجه الشتاء
جميل واكثر
يا سيد الحرف