~~ بـ ــحـ ـا ر مــ ــهــ ـاجـ ــ ـــرة ~~

للقلب عيون ... وللشوق حناجر

\
\
.

الإلحاد

\
\

الإلحاد في اللغة يعني الميل، وفي الاصطلاح هو الطعن في الأديان. وسمّته العرب إلحادا لأنه ميل عن الفطرة التي فُطر الناس عليها؛ ألا وهي الاعتقاد بوجود إله عظيم أوجد الكون وما فيه من العدم، وبيده ملكوت كل شيء، وإليه يرجع كل أمر، وأنه المستحق للعبادة بما ارتضاه لنفسه وبينه في شريعته وأقامه في دينه. ولذلك فإن الذي ينكره انكارا تاما، ممسوخُ الفطرة مشوه السريرة مختل الإدراك قاصر الفهم جدير بالشفقة حينا وبالسخرية أحيانا. لأنه قبل إنكاره إلهَهُ كان منكرا لنفسه، وقبل مروقه من الدين كان مارقا من ذاته، مسفِّها لكل نواميس الفطرة المختلجة في قلبه. نعم إنه حري بالشفقة لأنه مريض نفسي، وبالسخرية لأنه لا يدري ولا يحب أن يدري أنه كذلك!

ولذلك تجد الملحد أولَ ما يخوض في مستنقع الإلحاد يجحد كل شيء ويصر على ذلك، ثم يستشعر سخافة ما يعتقده ويجادل فيه فيركن إلى الطعن في الجزئيات، أي في بعض صفات الله تعالى، أو في بعض فروع الدين، ليتخذ من البعض حجةً لنقض الكل، وهذا استدلال باطل، ساقط على نفسه. فهو أشبه برجل أعمى لا يخرج من حفرة وقع فيها إلا وقع في أخرى.

قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. (سورة الأعراف، الآية 180)

إن أكثر ما يقع فيه الملحدون من الشك يدور حول الشر والأمراض والأوجاع والكوارث والفواجع والإعاقات والتشوهات الخَلْقية. ولنأخذ كل واحدة منهن بشيء من التفصيل والتبيين:

الشر:

يعتقد الملحدون أن وجود الشر دليل قاطعٌ يُسقط الإله من عرشه وينفيه خارج العقول والقلوب، لأن الإله بين اثنين؛ إما جاهل بالشر لا يدركه ولا يميّزه أو محيط به عليم خبير، فإن كان الأول نُفي عنه صفات أهمها العلم، وإن كان الآخر فهو بين حالين؛ إما أنه لا يقدر على رد الشر أو أنه قادر على ذلك، فإن كان الأول نفيت عنه صفة القدرة، وإن كان الثاني نفيت عنه صفة الرحمة. وإذا نفيت إحدى صفات الإله عنه كان ذلك سقوطا له.

أما الرد على هؤلاء فيكون من الشر نفسه، إذ أن ظهور الشر لم يكن بفعل الإله وإنما بسلوك البشر، لأن الأصل في الأشياء الخير، إلا ما طرأ عليها الشر فتحولت إليه، وهذه إحدى البديهيات التي لا تحتاج إلى إعمال الفكر طويلا. وبذلك يكون الشر صفة ملازمة للبشر لا للإله، فلا يُؤخذ بذنوبهم، ولا يُسأل عنه، ولا يُلزم بدفعه.

ومن ناحية أخرى، يُعتبر الشر في أعراف البشر شيئا نسبيا لا مطلقا، لانه متغير بتغير الزمان والمكان، وسأضرب لك مثلا؛ في الحرب يزعم كل حزب أنه على الحق وأن الآخر على الباطل وتتضارب معهم آراءُ الناس فيهم، وبذلك عَز بينهم الإنصاف، وإلا ما اقتتلوا. فإن كان هذا حال البشر فما ظنك بربهم؟ ومنذ متى تساوى الإدراك السفلي للأشياء مع الإدراك العلوي؟ فليس ما يعتقده الأطفال شرا شرا بالضرورة في اعتقاد الآباء، وإلا ما وجب على الآباء تأدبيهم! وبعبارة أخرى، لا يجوز أن نُخضع الخالق لإدراكنا، فليس ما نعتقده الحقيقةَ دائما.

وهكذا يكون كل ما قد تقدم به الملحدون عن الشر ضربا من الجهل والسفاهة.


الأمراض والأوجاع:

اتخذ الملحدون فشو الأوجاع وانتشار الأمراض والأوبئة وليجةً إلى القدح بعدل الله ورحمته والطعن بتمام حكمته، وقولهم في هذا يتلخص في هذه التساؤلات؛ إذا كان الله رحيما بعباده فلِمَ يعذبهم بهذا الكم الهائل من الأوجاع والأمراض؟ أخُلقوا ليعذبوا؟ وما دام الله غنيا عن العالمين فلِمَ يؤاخذ بما استغنى عنه؟ وماذا عليه لو كتب لهم الصحة أبدا؟ أناقصٌ ذلك من ملكه شيئا؟ وما هي الحكمة من السقم؟ وهل العدل تسلط القوي على الضعيف؟ ويتطاول البعض هازئا بألفاظ لا تليق بالله – عز وجل – أستحيي أن أوردها في مقالي هذا.
أما الرد على هؤلاء فيكون سؤالا كهذا؛ لِم يعذب الله الناس؟ فتكون الإجابة: بذنوبهم! فالعقوبة لا تتنافى مع الرحمة بل إنها لازمة للعدل والحكمة. فالأب حين يعاقب ابنه لا يفقد معنى الأبوة وكذلك الرب عندما يعاقب عبده لا يفقد معنى الربوبية. نعم إن من رحمة الله بخلقه وعدله وحكمته أن يعاقب على الخطأ ولا يضره التعجيلُ في الدنيا أو التأجيلُ إلى الأخرى أو العفو والمغفرة فذاك شأنه ولا يسأل عما يفعل.

وهناك حديث نبوي صحيح يؤكد صدق ما أشرت إليه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر المهاجرين! خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن : لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم.

أما سؤال سائلهم: إذا كان الله غنيا عن العالمين فلم يؤاخذ بما استغنى عنه؟ فالرد عليه سؤال مثله: هل هم الأغنياء ليسألوه عما يفعل؟ أم هم الفقراء إليه وهو سائلهم عما يفعلون؟ ومتى حق للمحتاج سؤالُ القادر لِمَ أعطى ولِمَ منع؟ ولماذا آخَذَ ولماذا عفا؟ وهل زاد ذلك في ملكه أم أنقصه؟ ومن وجه آخر؛ فإن إثباتَ الضعف للضعيف والقوة للقوي عينُ العدل ورأس الحكمة، فإذا لم يكن للقوي سلطان على الضعيف ما كان للقوة معنى ولا ارتفع الأعلى عن الأدنى ولتساوى الخلق والخالق.

قال تعالى: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا. (سورة فاطر، الآية 45)

فسبحان من كان هذا حلمه وعلمه، وكانت هذه قدرته وبصيرته.


الكوارث والفواجع:

يكاد حديث الملحدين في هذا المقام أن يكون اجترارا لحديث الأمراض والأوجاع لهذا أكتفي بالرد عليهم بما تقدم!

الإعاقات والتشوهات:

في هذا الباب يتمادى الملحدون كثيرا في قدح الله، ويزعمون أن الله الذي قال بأنه قد خلق الإنسان في أحسن تقويم كذب في ذلك – تعالى الله عما يقولون – فأين التقويم الأحسن الذي خُلق به الإنسان معاقا أو مشوها؟ وما ذنب من لا ذنب له؟ وهل علم الله به فجعله مشوها؟ أم علم به ولم يقدر أن يجعله صحيحا؟ أو لم يعلم به قط؟

هذه الأسئلة وما يشبهها هي خلاصة ما ينغر به الملحدون، والرد عليهم أسئلة مثلها وإجابات: ما هي نسبة الإعاقات والتشوهات إلى الصحيح والتام الخَلْق؟ وكم منها كان الإله مسؤولا مباشرا عنه؟ وهل الإعاقة والتشوه دليلٌ على قصور في الخلق؟

لو أخضعنا المجتمع الإنساني إلى علم الإحصاء فسنجد أن هناك مشوها أو معاقا واحدا بين كل ألف من الأصحّاء وربما بين ألفين، فلماذا نترك الغالب ونلتفت إلى النادر؟ أليس هذا من السخف والجهالة؟ ولقد أثبت العلم الحديث أن الإنسان هو السبب المباشر للتشوهات والإعاقات، فما زواج الأقارب ولا الزواج من أعراق كثرت فيها العلل والآفات إلا أسباب ومشجعات لها، والإنسان بحروبه ونشاطاته المختلفة؛ الكيميائية والحيوية والفيزيائية والذرية أدّى إليها وزاد من ظهورها. فما ذنب الله في هذا؟ وهب – أيها الملحد – أن الله مسؤول عن عدد قليل جدا من التشوهات والإعاقات التي يبتلي بها من يشاء، فإن أُحسن الظن به عز وجل، كان هذا تذكيرا للناس بفضل الله ونعمته عليهم ورحمته بهم، وتخويفا لهم، وهو أيضا باب عظيم للتراحم بين الناس فيحنو القوي على الضعيف والكبير على الصغير والصحيح على السقيم.

فقد قال الله تعالى:

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ. (سورة الأنعام، الآية 6)

وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. (سورة الأحقاف، الآية 27)

وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا. (سورة الإسراء، الآية 59)

ولقد ثبت لله أنه قد خلق الإنسان في أحسن تقويم بما نراه في البشر الصحيحين من حولنا، ولا ينقص من قدرته إذا جاء البعض ناقصا أو مشوها، لحكمة أرادها عز وجل ورضي عنها.

فسبحان الله الذي تكلم عن نفسه ووصفها في كتابه فقال:

لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ * لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (سورة الأنبياء، الآيتان 22 – 23)

فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ * يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (سورة الروم، الآيات 17 – 19)

فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. (سورة يس، الأية 83)

\
\

إذا التقينا وباست عيني عيونك = أعلمك عن غيابك ويش سوى بي

آه يا امرأة تختصر النساء!

لقد ابتليت بحبك، وابتليت بفراقك، فكيف يطيب لي العيش بعدك؟ وكيف لي أن أحب مرة أخرى؟

عبثا أحاول أن أبحث عنك بين وجوه الجميلات، لكنني أصبّر نفسي بما أجده فيهن ويذكرني بك! ففي كل حسناء أيقونة جمال هي قبيحة بدونها. فإذا أخذتِ كل هذه الأيقونات ورتبتها في لوحة فسيفسائية على وجه قمر مكتمل، كانت أنتِ!

لم يبق من عمر هذا العام المحتضر إلا يوم واحد، وهو كل ما تبقى لي من حبك! أأجلس وحيدا وأضع يدي على خدي وأنظم دموعي عقودا لأجمّل بها عنق عامي القادم؟ أم أضع يدي فوق أيدي الناس وأشرب نخب الوداع من جرة قلبي؟ أم ألوّح لك وأدير ظهري لأستقبل عاما جديدا بكل شيء؟

كلا... لقد كنتِ أملي الوحيد في حياة جديدة!

لا أطلب منك إلا النسيان بكل ما في النسيان من ألم، فأنا لا أريد أن يبقى شيء مني في قلب ليس جديرا بي!

أنا لستُ نادما عليك، ولكنني نادم على العمر الذي ضاع مني وأنا أحلم!

فما أصعب أن تستيقظ بعد أجمل الأحلام على لا شيء!

لقد كرهت أن أعود مرة أخرى إلى نهر الحب الأزلي لأملأ جرتي، ليس لأن جرتي مكسورة بل لأني لا أريد أن أتذوق طعم الخيانة مرة أخرى!

ما بال كلامي أصبح عاديا؟ أين روحه التي عهدتها فيه؟ أتراها خرجت معك إلى المجهول؟

لقد أعدت ترتيب أوراقي واستثنيتك منها فما بقي في يدي إلا ورقة من هواء لا تقبل إلا أن تظل عذراء!

ذريني إذن أعيد ترتيب نفسي، وأكتبك من جديد:

هناك حيث الغيوم النائمة على صدر الأفق، تصحو الشمس متثائبة، وتمد أشعتها أذرعا لا متناهية تعبث أصابعها السحرية بكل شيء فتعطيه لونا!

فتحمر بعض الأزهار خجلا وحبا وربما حنقا، وتبيض أخر صدقا وطهرا وربما بلادة، وتصفر أخريات غيرة وربما شبقا، ولكن تبقى زهرة واحدة عارية دون ثوب من ألوان!

فمرت بها الريح والتفت عليها كثعبان وهزتها هزا عنيفا فلم تأبه لها وانكمشت على نفسها، فراحت عنها مزمجرة تضرب الأرض وتجلد الأغصان وتصفع وجه البحيرة!

فسألتها البلابل: ما بك أيتها الريح غاضبة؟

فقالت: تلك الزهرة اللعينة وأشارت إليها وراحت تركض نحو الوادي مولولة وهي تحثو التراب على رأسها!

فطارت البلابل إلى الزهرة وصارت تغني حولها أجمل أغانيها وتسكب فوقها أعذب ألحانها، فبقيت الزهرة مطأطئة، حتى عيل صبر البلابل وطارت إلى الأشجار تبكي وتئن!

وهكذا حاول كل ما في الطبيعة أن يفهم سر تلك الزهرة لكن دون جدوى!

حتى مررتِ – ياشقيقة روحي – بها فتفتحت وتلوّنت خجلا وفاحت عشقا!

ألا إن تلك الزهرة قلبي!

فهل ستمرين به! ولو عن طريق الصدفة؟

الشتاء

\
/
\

تتعرى الأشجار، وتطرح أوراقها تحت سيقانها، لتستحم كل شتاء، وتغسل تعب الحياة عن أبدانها!

فهل القلوب كالأشجار؟

ربما سيكون هذا الشتاء قاسيا ومؤلما جدا!

لكنه في نفس الوقت ينبئ بموسم جيد من الطهر والجمال!

\

ألم أقل لك يا شقيقة روحي أن المرآة تصبح شاعرة عندما تنظرين فيها؟

أفلا أكون شاعرا مجيدا – وأنا قلب وروح – وأنتِ أمامي؟

إذن تعالي بين ذراعي وانظري إلي!

صباحي كفنجان قهوة مقلوب على الوهم

أشعر بالبرد

\
\

يبقى الشجر واقف ولو طاحت أوراقه . . . رغم الخريف ودمعة القهر بأحداقي

إذا كان اليوم عند الله ألف سنة مما نعد!

فإن ستين عاما تعادل عنده: يوما وعشر ساعات وثلاث وثلاثين دقيقة وست وثلاثين ثانية!

فهل يا ترى إذا أمهل الله الإنسان يوما أو بعض يوم - في المقياس الإلهي - كان ذلك إمهالا وكان ذلك حلما؟؟؟

ما أعلمه أن أعراب البادية كانوا يمهلون ضيفهم قبل السؤال ثلاثة أيام وهي أيام الضيافة، ويمهلون أيضا واتِرَهم ثلاثة أيام وثلث قبل الثأر منه! فيما تعارفوا عليه بمسمى (المهربات المدربات)

أفليس الله أحلم؟

أوليس الله أرحم؟

آه ما أكثر التساؤلات وما أصعب الإجابة

\
\
\

هناك عند النبع الصافي الذي يتدفق من صدر الجبل مفعما بالحياة إلى فم الوادي العطش أبدا، حيث الظلال الوارفة التي تطيلها النسائم العليلة، تحت الصخور الساهمة أزلا إلى الأفق البعيد المطل عليها بين جهلتي الوادي، قبضت يدي على زهرة – لا أعلم لها اسما – فابتدعت لها اسما ارتاحت له نفسي فدعيتها"لا تنسني".

وبعد وجوم طويل وتأمل عميق جلست أعريها من بتلاتها واحدة واحدة.

تحبني...
لا تحبني...
تحبني...
لا تحبني...
تحبني...
...

عندئذٍ أغلق نافذتي عن المشهد، وقد أعطتني الزهرة كل بتلاتها، وأنطوي على نفسي وحيدا في زاوية الفكر المظلم أسمع صوت مولر يتردد في جمجمتي:

"هل ما ندعوه ظروفا وفروقا اجتماعية ليس إلا إرادة الله، ومن طمع في التغلب عليها فقد عصى ربه وأثِم؟"

أم هل أودع بين جنوبنا قلوبا تسير بنا ملء إرادتنا؟

"فما بالنا إذن لا نسأل الطفلَ لماذا ولد، والزهرةَ لِمَ تفتقت، والشمسَ عن شروقها وغروبها؟"

ونسأل المحب – ونلح في سؤاله – لماذا أحببت!

عجيب أمرهم يا شقيقة روحي! إن إرادة الله فينا هي بتقليب قلوبنا، أما ظروفنا وما بيننا من فوارق اجتماعية، فما هي إلا المحك الذي يصقل جواهر النفس، والفيصل الذي يبت عرى الريبة، والريح التي تسبق المطر، والشتاء الذي يبشر بالربيع الطلق المختال الضاحك!
ما أود قوله يا حبيبتي هو عين ما قاله ذلك الحكيم: إن لم ترضنا الحياة كواجب فلنقبلها ونعالجها كفن.
\
\